فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَلَعَلَّكَ تَارِكُۢ بَعۡضَ مَا يُوحَىٰٓ إِلَيۡكَ وَضَآئِقُۢ بِهِۦ صَدۡرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ كَنزٌ أَوۡ جَآءَ مَعَهُۥ مَلَكٌۚ إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٞۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ وَكِيلٌ} (12)

ثم سلَّى الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم ، فقال : { فَلَعَلَّكَ تَارِك بَعْضَ مَا يوحى إِلَيْكَ } أي : فلعلك لعظم ما تراه منهم من الكفر والتكذيب ، واقتراح الآيات التي يقترحونها عليه على حسب هواهم ، وتعنتهم تارك بعض ما يوحى إليك مما أنزله الله عليك وأمرك بتبليغه ، مما يشق عليهم سماعه أو يستشقون العمل به ، كسبّ آلهتهم وأمرهم بالإيمان بالله وحده .

قيل : وهذا الكلام خارج مخرج الاستفهام : أي هل أنت تارك ؟ وقيل : هو في معنى النفي مع الاستبعاد : أي لا يكون منك ذلك ، بل تبلغهم جميع ما أنزل الله عليك ، أحبوا ذلك أم كرهوه ، شاءوا أم أبوا { وَضَائِق بِهِ صَدْرُكَ } معطوف على تارك ، والضمير في به راجع إلى ما أو إلى بعض ، وعبر بضائق دون ضيق لأن اسم الفاعل فيه معنى الحدوث والعروض والصفة المشبهة فيها معنى اللزوم { أَن يَقُولُواْ } أي : كراهة أن يقولوا ، أو مخافة أن يقولوا أو لئلا يقولوا { لَوْلاَ أُنُزِلَ عَلَيْهِ كَنز } أي : هلا أنزل عليه كنز : أي مال مكنوز مخزون ينتفع به { أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَك } يصدّقه ويبين لنا صحة رسالته . ثم بيّن سبحانه أن حاله صلى الله عليه وسلم مقصور على النذارة ، فقال : { إِنَّمَا أَنتَ نَذِير } ليس عليك إلا الإنذار بما أوحي إليك ، وليس عليك حصول مطلوبهم وإيجاد مقترحاتهم { والله على كُلّ شَيْء وَكِيل } يحفظ ما يقولون ، وهو فاعل بهم ما يجب أن يفعل .

/خ17