محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{فَلَعَلَّكَ تَارِكُۢ بَعۡضَ مَا يُوحَىٰٓ إِلَيۡكَ وَضَآئِقُۢ بِهِۦ صَدۡرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ كَنزٌ أَوۡ جَآءَ مَعَهُۥ مَلَكٌۚ إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٞۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ وَكِيلٌ} (12)

/ [ 12 ] { فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل 12 } .

{ فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك } أي بتلاوته عليهم ، وتبليغه إليهم ، { أن يقولوا } أي مخافة أن يقولوا ، تعاميا عن تلك البراهين التي لا تكاد تخفى صحتها على أحد ممن له أدنى بصيرة ، وتماديا في العناد على وجه الاقتراح { لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك } أي هلا أنزل عليه ما اقترحنا من الكنز والملائكة ، زعما أن الرسول متبوع ، لا بد له من الإنفاق على أتباعه ، ولا يتأتى مع عدم سلطنته إلا بإلقاء الكنز عليه ، أو مجيء ملك معه يصدق برسالته ، فقال تعالى : { إنما أنت نذير } أي ليس عليك إلا الإنذار بما أوحي إليك ، غير مبال بما صدر منهم من الاقتراح { والله على كل شيء وكيل } أي فيحفظ ما يقولون ويجازيهم عليه ، فكل أمرك إليه ، وبلغ وحيه بقلب منشرح ، غير مبال بهم .

لطائف :

الأولى - قال القاشاني : لما لم يقبلوا كلامه صلى الله عليه وسلم بالإرادة ، وأنكروا قوله بالاقتراحات الفاسدة ، وقابلوه بالعناد والاستهزاء ، ضاق صدره ، ولم ينبسط للكلام ، إذ الإرادة تجذب الكلام ، وقبول المستمع يزيد نشاط المتكلم ، ويوجب بسطه فيه ، وإذا لم يجد المتكلم محلا قابلا لم يتسهل له ، وبقي كربا عنده ، فشجعه الله تعالى بذلك ، وهيّج قوته ونشاطه بقوله : { إنما أنت نذير } ، فلا يخلوا إنذارك من إحدى الفائدتين : إما رفع الحجاب بأن ينجح فيمن وفقه الله تعالى لذلك ، وإما إلزام الحجة لمن لم يوفق لذلك ، ثم كل الهداية إليه .

/ الثانية - لا يخفى أن ( لعل ) للترجي ، وهو ، وإن اقتضى التوقع ، إلا أنه لا يلزم من توقع الشيء وقوعه ، ولا ترجح وقوعه ، لوجود ما يمنع منه . وتوقع ما لا يقع منه ، المقصود تحريضه على تركه ، وتهييج داعيته .

وقيل : ( لعل ) هنا للتبعيد لا للترجي ، فإنها تستعمل كذلك ، كما تقول العرب : لعلك تفعل كذا ، لمن لا يقدر عليه . فالمعنى : لا تترك .

وقيل : إنها للاستفهام الإنكاري كما في الحديث{[4813]} : " لعلنا أعجلناك " .

وقيل : هي لتوقع الكفار . فكما تكون لتوقع المتكلم ، وهو الأصل ، لأن معاني الإنشآت قائمة به تكون لتوقع المخاطب أو غيره ، ممن له ملابسة بمعناه كما هنا . فالمعنى : إنك بلغت الجهد في تبليغهم أنهم يتوقعون منك ترك التبليغ لبعضه كذا في العناية .

الثالثة إنما عدل عن ( ضيق ) الصفة المشبهة إلى { ضائق } اسم الفاعل ، ليدل على أنه ضيق عارض ، غير ثابت ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أفسح الناس صدرا . وكذا كل صفة مشبهة إذا قصد بها الحدوث تحول إلى فاعل ، فيقولون في سيد سائد وفي جواد جائد ، وفي سمين سامن . قال :

بمنزلة أما اللئيم فسامن *** بها ، وكرام الناس باد شحوبها

وظاهر كلام أبي حيان أنه مقيس . وقيل إنه لمشابهة { تارك } . ومنه يعلم أن المشاكلة قد تكون حقيقة كذا في ( العناية )


[4813]:أخرجه البخاري في : 4- كتاب الوضوء، 34- باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين، حديث 144- عن أبي سعيد الخدري.