الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{فَلَعَلَّكَ تَارِكُۢ بَعۡضَ مَا يُوحَىٰٓ إِلَيۡكَ وَضَآئِقُۢ بِهِۦ صَدۡرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ كَنزٌ أَوۡ جَآءَ مَعَهُۥ مَلَكٌۚ إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٞۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ وَكِيلٌ} (12)

وقوله سبحانه : { فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يوحى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُوا لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ } [ هود : 12 ] .

سَببُ هذه الآية : أَنَّ كفَّار قريش قالوا : يا محمَّد ، لو تركْتَ سبَّ آلهتنا ، وتسفيه آبائنا ، لَجَالَسْناك واتبعناك ، وقالوا له : ائت بِقُرآن غيرِ هذا أو بدِّله ، ونحو هذا من الأقوال ، فخاطب اللَّه تعالَى نبيَّه عليه السلام على هذه الصورة من المخاطَبَة ، ووقَّفَهُ بها توقيفاً رَادًّا علَى أقوالهم ومبطلاً لها ، وليس المعنَى أنَّه عليه السلام هَمَّ بشيء من ذلك ، فَزُجِرَ عنه ، فإِنه لم يُرِدْ قطُّ تَرْكَ شيء مما أوحِيَ إِليه ، ولا ضَاقَ صدْرُهُ به ، وإِنما كان يَضِيقُ صدره بأقوالهم وأفعالهم وبُعْدِهِم عن الإِيمان .

قال ( ص ، وع ) : وعبَّر ب{ ضَائِقٌ } وإِن كان أقلَّ استعمالا من «ضَيِّقٍ » لمناسبة { تَارِكٌ } ؛ ولأن { ضَائِقٌ } وصفٌ عارضٌ ؛ بخلاف «ضيق » ؛ فإِنه يدل على الثبوت ، والصَّالحُ هنا الأولُ بالنسبة إِليه صلى الله عليه وسلم ، والضمير في «به » عائدٌ على البعْضِ ، ويحتمل أن يعود على «ما » و { أَن يَقُولُوا } أي : كراهةَ أنْ يقولوا ، أو لئلاَّ يقولوا ، ثم آنسه تعالَى بقوله : { إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ } ، أي : هذا القدْرُ هو الذي فُوِّضَ إِليك ، واللَّه تعالَى بَعْدَ ذلك هو الوكيلُ الممضي لإِيمان من شاء ، وكُفْرِ من شاء .