معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَفَلَمۡ يَهۡدِ لَهُمۡ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ يَمۡشُونَ فِي مَسَٰكِنِهِمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ} (128)

قوله تعالى : { أفلم يهد لهم } يبين لهم القرآن ، يعني : كفار مكة ، { كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم } ديارهم ومنازلهم إذا سافروا . والخطاب لقريش كانوا يسافرون إلى الشام فيرون ديار المهلكين من أصحاب الحجر وثمود وقريات لوط . { إن في ذلك لآيات لأولي النهى } لذوي العقول .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَفَلَمۡ يَهۡدِ لَهُمۡ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ يَمۡشُونَ فِي مَسَٰكِنِهِمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ} (128)

{ 128 } { أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى }

أي : أفلم يهد هؤلاء المكذبين المعرضين ، ويدلهم على سلوك طريق الرشاد ، وتجنب طريق الغي والفساد ، ما أحل الله بالمكذبين قبلهم ، من القرون الخالية ، والأمم المتتابعة ، الذين يعرفون قصصهم ، ويتناقلون أسمارهم ، وينظرون بأعينهم ، مساكنهم من بعدهم ، كقوم هود وصالح ولوط وغيرهم ، وأنهم لما كذبوا رسلنا ، وأعرضوا عن كتبنا ، أصبناهم بالعذاب الأليم ؟

فما الذي يؤمن هؤلاء ، أن يحل بهم ، ما حل بأولئك ؟ { أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر* أم يقولون نحن جميع منتصر } لا شيء من هذا كله ، فليس هؤلاء الكفار ، خيرا من أولئك ، حتى يدفع عنهم العذاب بخيرهم ، بل هم شر منهم ، لأنهم كفروا بأشرف الرسل وخير الكتب ، وليس لهم براءة مزبورة وعهد عند الله ، وليسوا كما يقولون أن جمعهم ينفعهم ويدفع عنهم ، بل هم أذل وأحقر من ذلك ، فإهلاك القرون الماضية بذنوبهم ، من أسباب الهداية ، لكونها من الآيات الدالة على صحة رسالة الرسل الذين جاءوهم ، وبطلان ما هم عليه ، ولكن ما كل أحد ينتفع بالآيات ، إنما ينتفع بها أولو النهى ، أي : العقول السليمة ، والفطر المستقيمة ، والألباب التي تزجر أصحابها عما لا ينبغي .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَفَلَمۡ يَهۡدِ لَهُمۡ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ يَمۡشُونَ فِي مَسَٰكِنِهِمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ} (128)

يقول تعالى : { أَفَلَمْ يَهْدِ } لهؤلاء المكذبين بما جئتهم به : يا محمد ، كم أهلكنا من الأمم المكذبين بالرسل قبلهم ، فبادوا فليس لهم باقية ولا عين ولا أثر ، كما يشاهدون ذلك من ديارهم الخالية التي خلفوهم فيها ، يمشون فيها ، { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأولِي النُّهَى } أي : العقول الصحيحة والألباب المستقيمة ، كما قال تعالى : { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } [ الحج : 46 ] ، وقال في سورة " الم السجدة " : { أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ } [ السجدة : 26 ] .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَفَلَمۡ يَهۡدِ لَهُمۡ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ يَمۡشُونَ فِي مَسَٰكِنِهِمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ} (128)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لاُوْلِي النّهَىَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : أفلم يهد لقومك المشركين بالله ، ومعنى يهد : يبين . يقول : أفلم يبين لهم كثرة ما أهلكنا قبلهم من الأمم التي يمشون في مساكنهم ودورهم ، ويرون آثار عقوباتنا التي أحللناها بهم سوء مغبة ما هم عليه مقيمون من الكفر بآياتنا ، ويتعظوا بهم ، ويعتبروا ، وينيبوا إلى الإذعان ، ويؤمنوا بالله ورسوله ، خوفا أن يصيبهم بكفرهم بالله مثل ما أصابهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " كَمْ أهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ القُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ " لأن قريشا كانت تتجر إلى الشأم ، فتمرّ بمساكن عاد وثمود ومن أشبههم ، فترى آثار وقائع الله تعالى بهم ، فلذلك قال لهم : أفلم يحذّرهم ما يرون من فعلنا بهم بكفرهم بنا نزول مثله بهم ، وهم على مثل فعلهم مقيمون . وكان الفرّاء يقول : لا يجوز في كم في هذا الموضع أن يكون إلا نصبا بأهلكنا وكان يقول : وهو وإن لم يكن إلا نصبا ، فإن جملة الكلام رفع بقوله : يَهْدِ لَهُمْ ويقول : ذلك مثل قول القائل : قد تبين لي أقام عمرو أم زيد في الاستفهام ، وكقوله " سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أدَعَوْتُمُوهُمْ أمْ أنْتُمْ صَامِتُونَ " ، ويزعم أن فيه شيئا يرفع سواء لا يظهر مع الاستفهام ، قال : ولو قلت : سواء عليكم صمتكم ودعاؤكم تبين ذلك الرفع الذي في الجملة وليس الذي قال الفرّاء من ذلك ، كما قال : لأن كم وإن كانت من حروف الاستفهام فإنها لم تجعل في هذا الموضع للاستفهام ، بل هي واقعة موقع الأسماء الموصوفة . ومعنى الكلام ما قد ذكرنا قبل وهو : أفلم يبين لهم كثرة إهلاكنا قبلهم القرون التي يمشون في مساكنهم ، أو أفلم تهدهم القرون الهالكة . وقد ذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله : «أفَلَمْ يَهْدِ لَهَمْ مَنْ أهْلَكْنا » فكم واقعة موقع من في قراءة عبد الله ، هي في موضع رفع بقوله : يَهْدِ لَهُمْ وهو أظهر وجوهه ، وأصحّ معانيه ، وإن كان الذي قاله وجه ومذهب على بعد .

وقوله : " إنّ فِي ذلكَ لاَياتٍ لأُولي النّهَى " يقول تعالى ذكره : إن فيما يعاين هؤلاء ويرون من آثار وقائعنا بالأمم المكذّبة رسلها قبلهم ، وحلول مُثْلاتنا بهم لكفرهم بالله لاَياتٍ يقول : لدلالات وعبرا وعظات لأُولي النّهَى يعني : لأهل الحجى والعقول ، ومن ينهاه عقله وفهمه ودينه عن مواقعة ما يضره . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : " لأُولي النّهَى " يقول : التقى .

حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة " إنّ فِي ذلكَ لاَياتٍ لأُولي النّهَى " أهل الورع .