معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فِيٓ أَيِّ صُورَةٖ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ} (8)

{ في أي صورة ما شاء ركبك } قال مجاهد والكلبي ومقاتل : في أي شبه من أب أو أم أو خال أو عم . وجاء في الحديث : أن النطفة إذا استقرت في الرحم أحضر كل عرق بينه وبين آدم ثم قرأ { في أي صورة ما شاء ركبك } . وذكر الفراء والزجاج قولاً آخر : { في أي صورة ما شاء ركبك } إما طويلا أو قصيرا أو حسنا أو غير ذلك . قال عكرمة ، وأبو صالح :{ في أي صورة ما شاء ركبك } إن شاء في صورة إنسان وإن شاء في صورة دابة ، أو حيوان آخر .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فِيٓ أَيِّ صُورَةٖ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ} (8)

إن هذا إلا من جهلك وظلمك وعنادك وغشمك ، فاحمد الله أن لم يجعل صورتك صورة كلب أو حمار ، أو نحوهما من الحيوانات ؛ فلهذا قال تعالى : { فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فِيٓ أَيِّ صُورَةٖ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ} (8)

وقوله : { فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ } قال مجاهد : في أي شَبَه أب أو أم أو خال أو عم ؟

وقال ابن جرير : حدثني محمد بن سنان القزاز ، حدثنا مُطَهَّر بن الهيثم ، حدثنا موسى بنُ عُلَيِّ بن رَبَاح ، حدثني أبي ، عن جدي : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : " ما ولد لك ؟ " قال : يا رسول الله ، ما عسى أن يُولَد لي ؟ إما غلام وإما جارية . قال : " فمن يشبه ؟ " . قال : يا رسول الله ، من عسى أن يشبه ؟ إما أباه وإما أمه . فقال النبي صلى الله عليه وسلم عندها : " مه . لا تقولَنَّ هكذا ، إن النطفة إذا استقرت في الرحم أحضرها الله كل نسب بينها وبين آدم ؟ أما قرأت هذه الآية في كتاب الله : { فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ } " قال : سَلَكك{[29815]} .

وهكذا رواه ابن أبي حاتم والطبراني ، من حديث مُطهر بن الهيثم ، به{[29816]} وهذا الحديث لو صح لكان فيصلا في هذه الآية ، ولكن إسناده ليس بالثابت ؛ لأن " مُطَهَّر بن الهيثم " قال فيه أبو سعيد بن يونس : كان متروك الحديث . وقال ابن حبان : يُرْوى عن موسى بن علي وغيره ما لا يُشبهُ حَديثَ الأثبات . ولكن في الصحيحين عن أبي هُرَيرة أن رَجُلا قال : يا رسول الله ، إن امرأتي وَلَدت غُلامًا أسودَ ؟ . قال : " هل لك من إبل ؟ " . قال : نعم . قال : " فما ألوانها ؟ " قال : حُمر . قال : " فهل فيها من أورَق ؟ " قال : نعم . قال : " فأنى أتاها ذلك ؟ " قال : عسى أن يكون نزعة عِرْق . قال : " وهذا عسى أن يكون نزعة عرق " {[29817]} .

وقد قال عكرمة في قوله : { فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ } إن شاء في صورة قرد ، وإن شاء في صورة خنزير . وكذا قال أبو صالح : إن شاء في صورة كلب ، وإن شاء في صورة حمار ، وإن شاء في صورة خنزير .

وقال قتادة : { فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ } قال : قادر - والله - ربنا على ذلك . ومعنى هذا القول عند هؤلاء : أن الله ، عز وجل ، قادر على خلق النطفة على شكل قبيح من الحيوانات المنكرة الخلق ، ولكن بقدرته ولطفه وحلمه يخلقه على شكل حسن مستقيم معتدل تام ، حَسَن المنظر والهيئة .


[29815]:- (3) في م: "شكلك".
[29816]:- (4) المعجم الكبير (5/74).
[29817]:- (5) صحيح البخاري برقم (5305) وصحيح مسلم برقم (1500).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فِيٓ أَيِّ صُورَةٖ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ} (8)

قوله : الّذِي خَلَقَكَ فَسَوّاكَ يقول : الذي خلقك أيها الإنسان فسوّى خلقك فَعَدَلكَ .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة ومكة والشام والبصرة : «فَعَدّلكَ » بتشديد الدال ، وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة بتخفيفها وكأن من قرأ ذلك بالتشديد ، وجّه معنى الكلام إلى أنه جعلك معتدلاً معدّل الخلق مقوّما ، وكأنّ الذين قرؤوه بالتخفيف ، وجّهوا معنى الكلام إلى صرفك ، وأمالك إلى أيّ صورة شاء ، إما إلى صورة حسنة ، وإما إلى صورة قبيحة ، أو إلى صورة بعض قراباته .

وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال : إنهما قراءتان معروفتان في قَرَأة الأمصار ، صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب ، غير أن أعجبهما إليّ أن أقرأ به ، قراءة من قرأ ذلك بالتشديد ، لأن دخول «في » للتعديل أحسن في العربية من دخولها للعدل ، ألا ترى أنك تقول : عدّلتك في كذا ، وصرفتك إليه ، ولا تكاد تقول : عدلتك إلى كذا وصرفتك فيه ، فلذلك اخترت التشديد .

وبنحو الذي قلنا في ذلك وذكرنا أن قارئي ذلك تأوّلوه ، جاءت الرواية عن أهل التأويل أنهم قالوه . ذكر الرواية بذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : فِي أيّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكّبَكَ قال : في أيّ شبه أب أو أم أو خال أو عمّ .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن إسماعيل ، في قوله : ما شاءَ رَكّبَكَ قال : إن شاء في صورة كلب ، وإن شاء في صورة حمار .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح فِي أيّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكّبَكَ قال : خنزيرا أو حمارا .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن أبي رجاء ، عن عكرِمة ، في قوله : فِي أيّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكّبَكَ قال : إن شاء في صورة قرد ، وإن شاء في صورة خنزير .

حدثني محمد بن سنان القزّاز ، قال : حدثنا مطهر بن الهيثم ، قال : حدثنا موسى بن عليّ بن أبي رباح اللّخمي ، قال : ثني أبي ، عن جدي ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال له : «ما وُلِدَ لَكَ ؟ » قال : يا رسول الله ، ما عسى أن يولد لي ، إما غلام ، وإما جارية ، قال : «فَمَنْ يُشْبِهُ ؟ » قال : يا رسول الله من عسى أن يشبه ؟ إما أباه ، وإما أمه فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم عندها : «مَهْ ، لا تَقُولَنّ هَكَذَا ، إنّ النّطْفَةَ إذا اسْتَقَرّتْ فِي الرّحِمِ أحْضَرَ اللّهُ كُلّ نَسَبٍ بَيْنَها وَبَينَ آدَمَ ، أما قَرأْتَ هَذِهِ الاَيَةَ فِي كِتابِ اللّهِ فِي أيّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكّبَكَ قال : سَلَكَكَ » .