قوله تعالى : { آمن الرسول } . أي صدق .
قوله تعالى : { بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله } . يعني كل واحد منهم ، ولذلك وحد الفعل .
قوله تعالى : { وملائكته وكتبه ورسله } . قرأ حمزة والكسائي وكتابه ، على الواحد يعني القرآن ، وقيل معناه الجمع ، وإن ذكر بلفظ التوحيد كقوله تعالى : ( فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب ) وقرأ اآخرون وكتبه بالجمع كقوله تعالى : ( وملائكته وكتبه ورسله ) .
قوله تعالى : { لا نفرق بين أحد من رسله } . فنؤمن ببعض ، ونكفر ببعض ، كما فعلت اليهود والنصارى ، وفيه إضمار تقديره : يقولون لا نفرق ، وقرأ يعقوب لا يفرق بالياء فيكون خبراً عن الرسول ، أو معناه لا يفرق الكل وإنما قال بين أحد ولم يقل بين آحاد ، لأن الأحد يكون للواحد والجمع ، قال الله تعالى : ( فما منكم من أحد عنه حاجزين ) .
قوله تعالى : { وقالوا سمعنا } . قولك .
قوله تعالى : { وأطعنا } . أمرك .
روى عن حكيم ، عن جابر رضي الله عنهما : أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم حين نزلت هذه الآية : " إن الله قد أثنى عليك وعلى أمتك فسل تعطه " ، فسأل بتلقين الله تعالى فقال :
قوله تعالى : { غفرانك } . وهو نصب على المصدر أي اغفر غفرانك . أو على المفعول به ، أي نسألك غفرانك . قوله تعالى : { ربنا وإليك المصير لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . ظاهر الآية قضاء الحاجة ، وفيها إضمار السؤال كأنه قال : وقالوا لا تكلفنا إلا وسعنا ، وأجاب أي لا يكلف الله نفساً إلا وسعها أي طاقتها ، والوسع : اسم لما يسع الإنسان ولا يضيق عليه ، واختلفوا في تأويله فذهب ابن عباس رضي الله عنه وعطاء وأكثر المفسرين إلى أنه أراد به حديث النفس الذي ذكر في قوله تعالى ( وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه ) كما ذكرنا .
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : هم المؤمنون خاصة ، وسع عليهم أمر دينهم ولم يكلفهم فيه إلا ما يستطيعون ، كما قال الله تعالى : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) وقال الله تعالى : ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) .
{ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ }
يخبر تعالى عن إيمان الرسول والمؤمنين معه ، وانقيادهم وطاعتهم وسؤالهم مع ذلك المغفرة ، فأخبر أنهم آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله ، وهذا يتضمن الإيمان بجميع ما أخبر الله به عن نفسه ، وأخبرت به عنه رسله من صفات كماله ونعوت جلاله على وجه الإجمال والتفصيل ، وتنزيهه عن التمثيل والتعطيل وعن جميع صفات النقص ، ويتضمن الإيمان بالملائكة الذين نصت عليهم الشرائع جملة وتفصيلا ، وعلى الإيمان بجميع الرسل والكتب ، أي : بكل ما أخبرت به الرسل وتضمنته الكتب من الأخبار والأوامر والنواهي ، وأنهم لا يفرقون بين أحد من رسله ، بل يؤمنون بجميعهم ، لأنهم وسائط بين الله وبين عباده ، فالكفر ببعضهم كفر بجميعهم بل كفر بالله { وقالوا سمعنا } ما أمرتنا به ونهيتنا { وأطعنا } لك في ذلك ، ولم يكونوا ممن قالوا سمعنا وعصينا ، ولما كان العبد لا بد أن يحصل منه تقصير في حقوق الله تعالى وهو محتاج إلى مغفرته على الدوام ، قالوا { غفرانك } أي : نسألك مغفرة لما صدر منا من التقصير والذنوب ، ومحو ما اتصفنا به من العيوب { وإليك المصير } أي : المرجع لجميع الخلائق فتجزيهم بما عملوا من خير وشر .
فقوله تعالى : { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّه } إخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك .
قال ابن جرير : حدثنا بشر ، حدثنا يزيد ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما نزلت هذه الآية : " ويحق له أن يؤمن " {[4707]} .
وقد روى الحاكم في مستدركه : حدثنا أبو النضر الفقيه : حدثنا معاذ بن نجدة القرشي ، حدثنا خلاد بن يحيى ، حدثنا أبو عقيل ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أنس بن مالك ، قال : لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّه } قال النبي صلى الله عليه وسلم : " حق له أن يؤمن " . ثم قال الحاكم : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه . {[4708]} .
وقوله : { وَالْمُؤْمِنُون } عطف على { الرَّسُولُ } ثم أخبر عن الجميع فقال : { كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ } فالمؤمنون يؤمنون بأن الله واحد أحد ، فرد صمد ، لا إله غيره ، ولا رب سواه . ويصدقون بجميع الأنبياء والرسل والكتب المنزلة من السماء على عباد الله المرسلين والأنبياء ، لا يفرقون بين أحد منهم ، فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض ، بل الجميع عندهم صادقون بارون راشدون مَهْديون هادون إلى سُبُل{[4709]} الخير ، وإن كان بعضهم ينسخ شريعة بعض بإذن الله ، حتى نُسخ الجميع بشرع محمدّ صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين ، الذي تقوم الساعة على شريعته ، ولا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين .
وقوله : { وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } أي : سمعنا قولك يا ربنا ، وفهمناه ، وقمنا به ، وامتثلنا العمل بمقتضاه ، { غُفْرَانَكَ رَبَّنَا } سؤال للغَفْر {[4710]}والرحمة واللطف .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن حرب الموصلي ، حدثنا ابن فضيل ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قول الله : { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ } إلى قوله : { غُفْرَانَكَ رَبَّنَا } قال : قد غفرت لكم ، { وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } أي : إليك المرجع والمآب يوم يقوم الحساب . {[4711]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.