بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۚ كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَـٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّن رُّسُلِهِۦۚ وَقَالُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۖ غُفۡرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيۡكَ ٱلۡمَصِيرُ} (285)

{ آمن الرسول بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن } روي عن الحسن وعن مجاهد : أن هذه الآية نزلت في قصة المعراج ، وهكذا روي في بعض الروايات عن عبد الله بن عباس .

وقال بعضهم جميع القرآن نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم إلا هذه الآية ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سمعها ليلة المعراج . وقال بعضهم : لم يكن ذلك في قصة المعراج ، لأن ليلة المعراج كانت بمكة ، وهذه السورة كلها مدنية ، فأما من قال : إنها كانت في ليلة المعراج . قال : لما صعد النبي صلى الله عليه وسلم ، وبلغ فوق السموات في مكان مرتفع ، ومعه جبريل حتى جاوز سدرة المنتهى . فقال له جبريل : إني لم أجاوز هذا الموضع ، ولم يؤمر أحد بالمجاوزة عن هذا الموضع غيرك ، فجاوز النبي صلى الله عليه وسلم حتى بلغ الموضع الذي شاء الله ، فأشار إليه جبريل بأن يسلم على ربه . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " التَّحِيَّاتُ لله وَالصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ " فقال الله تعالى : السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ ، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون لأمته حظ في السلام فقال : «السَّلامُ عَلَيْنَا ، وَعَلَى عِبَادِ الله الصَّالِحِينَ » . فقال جبريل : وأهل السموات كلهم ، أَشْهَدُ أَنْ لا إله إلاَّ الله ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ . قال الله تعالى على معنى الشكر آمن الرسول ، أي : صدق النبي صلى الله عليه وسلم بما أنزل إليه من ربه ، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يشارك أمته في الفضيلة فقال : { والمؤمنون كُلٌّ ءامَنَ بالله وَمَلَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رُّسُلِهِ } يعني : يقولون آمنا بجميع الرسل ، ولا نكفر بواحد منهم ، ولا نفرق بينهم ، كما فرقت اليهود والنصارى .

فقال له ربه عز وجل : كيف قبولهم للآي التي أنزلتها ؟ وهي قوله : { لِّلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الارض وَإِن تُبْدُواْ مَا في أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ الله فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ البقرة : 284 ] ، فقال : رسول الله : { وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا } أي أطعنا مغفرتك يا ربنا { وَإِلَيْكَ المصير } أي : المرجع