محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۚ كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَـٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّن رُّسُلِهِۦۚ وَقَالُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۖ غُفۡرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيۡكَ ٱلۡمَصِيرُ} (285)

/ { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن باللّه وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير 285 } .

{ آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه } أي صدقه بقبوله والتخلق كما قالت عائشة{[1485]} : ( كان خلقه القرآن ) والترقي بمعانيه والتحقق { والمؤمنون } أي كذلك آمنوا .

قال الزجاج رحمه الله : لما ذكر الله عز وجل في هذه السورة فرض الصلاة والزكاة والصيام والحج والطلاق والحيض والإيلاء والجهاد وقصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والربا والدَّين ، ختمها بقوله : { آمن الرسول } لتعظيمه وتصديق نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين لجميع ذلك المذكور قبله ، وغيره ليكون تأكيدا له وفذلكة .

لطيفة :

قوله { والمؤمنون } إما مبتدأ والجملة بعده خبر ، أعني كُلٌّ آمَنَ . والعائد إلى المبتدأ التنوين القائم مقام الضمير في { كل } ، لأن من جملة العائد إلى المبتدأ التنوين النائب مناب الضمير . وإما معطوف على الرسول فيكون التنوين راجعا إلى الرسول والمؤمنين . وقد اختار كثيرون الأول . ومنهم العلاّمة أبو السعود . وأطال في توجيهه . وعندي أن الوجه هو الثاني . / لأن المقام لتعداد المؤمن به . وذلك يشترك فيه الرسول وأتباعه . وإن كان كنه إيمان الرسول لا يشاركه فيه غيره . فالمقام ليس مقام الخصوصية . والله أعلم .

{ كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق } أي يقولون لا نفرق { بين أحد من رسله } أي بردّ بعض وقبول بعض ، ولا نشك في كونهم على الحق وبالحق { وقالوا سمعنا } أي قولك وفهمناه { وأطعنا } أي امتثلنا أمرك وقمنا به واستقمنا عليه . ولما علموا أنهم لا يخلون من تقصير ، وأن الرب يغفر لمن يشاء قالوا { غفرانك ربنا } أي اغفر لنا غفرانك . أو نسألك غفرانك ذنوبنا . وتقديم ذكر السمع والطاعة على طلب الغفران لما أن تقديم الوسيلة على المسؤول أدعى إلى الإجابة والقبول { وإليك المصير } أي الرجوع بالموت والبعث لا إلى غيرك ، وهو تذييل لما قبله مقرر للحاجة إلى المغفرة . لما أن الرجوع للحساب والجزاء .


[1485]:أخرجه مسلم في: 6 ـ كتاب صلاة المسافرين وقصرها، حديث 139 (طبعتنا). وهو حديث طويل. يرويه سعد بن هشام بن عامر وفيه يقول، بعد أن استأذن على عائشة قال: (فقلت: يا أم المؤمنين! أنبئني عن خلق رسول الله. قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى. قالت: فإن خلق نبي الله كان القرآن). وفيه وصف جامع لقيامه صلى الله عليه وسلم وعن وتره على لسان سيدتنا أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها.