الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۚ كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَـٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّن رُّسُلِهِۦۚ وَقَالُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۖ غُفۡرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيۡكَ ٱلۡمَصِيرُ} (285)

وقوله تعالى : { آمَنَ الرسول بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ . . . } [ البقرة :285 ]

سببُ هذه الآية أنَّه لما نزلَتْ : { وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ }[ البقرة :285 ] . وأشفق منها النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ثم تقرَّر الأمر على أنْ قالوا : { وقالوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا }[ البقرة :285 ] ، ورجعوا إِلى التضرُّع والاِستكانةِ ، مدَحَهم اللَّه تعالى ، وأثنى عليهم في هذه الآيةِ ، وقدَّم ذلك بين يدَيْ رِفْقِهِ بهم ، فجمع لهم تعالَى التشْريفِ بالمَدْحِ والثناءِ ، ورفع المشقَّة في أمر الخواطرِ ، وهذه ثمرة الطَّاعَة والانقطاعِ إِلى اللَّه تعالى ، لا كما قالتْ بنو إِسرائيل : { سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } [ البقرة : 93 ] ، فأعقبهم ضدَّ ذلك ، وهذه ثمرة العصيان ، أعاذنا اللَّه من نِقَمِهِ .

و{ آمَنَ } معناه : صدَّق ، ( والرسولُ ) محمَّد صلى الله عليه وسلم ، و{ مَا أُنزِلَ إِلَيْهِ } : القُرآن ، وسائرُ ما أوحى اللَّه إِلَيْه من جملة ذلك ، وكُلُّ لفظة تصلح للإِحاطة ، وهي كذلك هُنَا ، والإِيمانُ باللَّه : هو التصديقُ به ، أي : بوجودِهِ وصفاتِهِ ، ورفْضُ كلِّ معبود سواه ، والإِيمان بملائكته : هو اعتقادُهم أنهم عبادُ لِلَّهِ مكْرَمُون ، لا يعصُون اللَّه ما أمرهم ، ويَفْعَلُون ما يُؤْمَرون ، والإِيمان بكتبه : هو التصديقُ بكلِّ ما أَنْزَلَ سبحانه على أنبيائه .

وقرأ الجمهور : { لاَ نُفَرِّقُ } ، بالنون . والمعنى : يقولون : لا نفرِّق .

ومعنى هذه الآية : أن المؤمنين ليسوا كاليَهُودِ والنصارى ، في أنَّهم يؤمنون ببَعْضٍ ، ويكفرون ببعض .

وقوله تعالى : { وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا }[ البقرة :285 ] مدح يقتضي الحضَّ على هذه المقالة ، وأنْ يكون المؤمنُ يمتثلُها غَابِرَ الدَّهْر ، والطاعةُ : قبولُ الأوامرِ ، و{ غُفْرَانَكَ } : مصدرٌ ، والعاملُ فيه فَعْلٌ تقديره : نَطْلُبُ أوْ نَسْأَلُ غُفْرَانَكَ .

( ت ) : وزاد أبو حَيَّان ، قال : وجوَّز بعضُهم الرفْعَ فيه ، على أنْ يكون مبتدأً ، أيْ : غفرانُكَ بُغْيَتُنَا . اه .

{ وَإِلَيْكَ المصير }[ البقرة :285 ] إِقرار بالبعثِ ، والوقوفِ بَيْنَ يَدَيْهِ سبحانه ، وروي أنَّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، لما أنزِلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ ، قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ : يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَجَّلَ الثَّنَاءَ عَلَيْكَ ، وعلى أُمَّتِكَ ، فَسَلْ تُعْطَهْ فَسَأَلَ إلى آخِرِ السُّورَةِ .