قوله : { بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن ربّهِ } أي : بِجَمِيع ما أنزل الله : { والمؤمنون } عطف على الرسول ، وقوله : { كُلٌّ } أي : من الرسول والمؤمنين { آمن بالله } ويجوز أن يكون قوله : { والمؤمنون } مبتدأ . وقوله : { كُلٌّ } مبتدأ ثان . وقوله : { آمن بالله } خبر المبتدأ الثاني ، وهو وخبره خبر المبتدأ الأوّل . وأفرد الضمير في قوله : { آمن بالله } مع رجوعه إلى كل المؤمنين ، لما أن المراد بيان إيمان كل فرد منهم من غير اعتبار الاجتماع ، كما اعتبر ذلك في قوله تعالى : { وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخرين } [ النمل : 87 ] . قال الزجاج لما ذكر الله سبحانه في هذه السورة فرض الصلاة ، والزكاة ، وبين أحكام الحج ، وحكم الحيض ، والطلاق ، والإيلاء ، وأقاصيص الأنبياء ، وبين حكم الربا ، ذكر تعظيمه سبحانه بقوله : { للَّهِ مَا فِى السموات وَمَا فِي الأرض } ثم ذكر تصديق نبيه صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر تصديق المؤمنين بجميع ذلك ، فقال { آمن الرسول بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن ربّهِ والمؤمنون } أي : صدّق الرسول بجميع هذه الأشياء التي جرى ذكرها ، وكذلك المؤمنون كلهم صدّقوا بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، وقيل : سبب نزولها الآية التي قبلها . وقد تقدّم بيان ذلك .
قوله : { وَمَلَئِكَتِهِ } أي : من حيث كونهم عباده المكرّمين المتوسطين بينه ، وبين أنبيائه في إنزال كتبه ، وقوله : { وَكُتُبِهِ } لأنها المشتملة على الشرائع التي تَعبَّد بها عباده . وقوله : { وَرُسُلِهِ } لأنهم المبلغون لعباده ما نُزَّل إليهم . وقرأ نافع ، وابن كثير ، وعاصم في رواية أبي بكر ، وابن عامر ، وكتبه بالجمع . وقرءوا في التحريم ، و " كتابه " . وقرأ ابن عباس هنا ، و " كتابه " ، وكذلك قرأ حمزة ، والكسائي ، وروى عنه أنه قال : الكتاب أكثر من الكتب . وبينه صاحب الكشاف ، فقال : لأنه إذا أريد بالواحد الجنس ، والجنسية قائمة في وجدان الجنس كلها لم يخرج منه شيء ، وأما الجمع ، فلا يدخل تحته إلا ما فيه الجنسية من الجموع . انتهى . ومن أراد تحقيق المقام ، فليرجع إلى شرح التلخيص المطوّل عند قول صاحب التلخيص «واستغراق المفرد أشمل » . وقرأ الجمهور { ورسُله } بضم السين . وقرأ أبو عمرو ، بتخفيف السين . وقرأ الجمهور { لا نفرّق } بالنون . والمعنى : يقولون : لا نفرق . وقرأ سعيد بن جبير ، ويحيى بن يعمر ، وأبو زرعة ، وابن عمر ، وابن جرير ، ويعقوب «لا يفرق » بالياء التحتية . وقوله : { بَيْنَ أَحَدٍ } ولم يقل بين آحاد ، لأن الأحد يتناول الواحد ، والجمع ، كما في قوله تعالى : { فَمَا مِنكُم منْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجزين } [ الحاقة : 47 ] فوصفه بقوله : { حاجزين } لكونه في معنى الجمع ، وهذه الجملة يجوز أن تكون في محل نصب على الحال ، وأن تكون خبراً آخر لقوله : { كُلٌّ } . وقوله : { مِن رُسُلِهِ } أظهر في محل الإضمار للاحتراز عن توهم اندراج الملائكة في الحكم ، أو الإشعار بعلة عدم التفريق بينهم .
وقوله : { وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } هو : معطوف على قوله : { آمن } وهو : وإن كان للمفرد ، وهذا للجماعة ، فهو جائز نظراً إلى جانب المعنى ، أي : أدركناه بأسماعنا ، وفهمناه ، وأطعنا ما فيه ؛ وقيل : معنى سمعنا : أجبنا دعوتك . قوله : { غُفْرَانَكَ } مصدر منصوب بفعل مقدّر ، أي : اغفر غفرانك . قاله الزجاج ، وغيره ، وقدّم السمع ، والطاعة على طلب المغفرة ؛ لكون الوسيلة تتقدّم على المتوسل إليه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.