{ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ } ، قيل : إن هذه الآية نزلت " حين شقّ على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يوعدهم الله عزّ وجلّ به من محاسبتهم على ما أخفته نفوسهم ، فشكوا ذلك إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : " لعلّكم تقولون سمعنا وعصينا كما قالت بنو اسرائيل ؟ "
فقالوا : بل نقول سمعنا وأطعنا ، فأنزل الله عزّ وجلّ ثناءً عليهم وإخباراً عنهم : { آمَنَ الرَّسُولُ } "
أي صدّق { بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ } . من ربّه قال قتادة : " لمّا أنزلت { آمَنَ الرَّسُولُ } ، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم «وحق له أن يؤمن " . { وَالْمُؤْمِنُونَ } . وفي قراءة عليّ وعبد الله : وآمن المؤمنون { كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ } . وحّد الفعل على لفظ كلّ ، المعنى : كلّ واحد منهم آمن ، فلو قال : آمنوا ، لجاز لأن ( كلّ ) قد تجيء في الجمع والتوحيد ، فالتوحيد قوله عزّ وجلّ : { كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ } [ النور : 41 ] والجمع قوله { كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ } [ الأنبياء : 93 ] { وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ } [ النمل : 87 ] . { وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ } [ قرأ ] ابن عباس وعكرمة ويحيى والأعمش وحمزة والكسائي وخلف و { وكتابه } . على الواحد بالألف . وقرأ الباقون : ( كتبه ) بالجمع ، وهو ظاهر كقوله : { وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ } .
والتوحيد وجهان : أحداهما : إنّهم أرادوا القرآن خاصّة ، والآخر : إنّهم أرادوا جميع الكتب . يقول العرب : كثر اللبن وكثر الدرهم والدينار في أيدي الناس ، يريدون الألبان والدراهم والدنانيير . يدلّ عليه قوله : { فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ } [ البقرة : 213 ] . { وَرُسُلِهِ } . جمع رسول .
وقرأ الحسن وابن سلمة بسكون السين لكثرة الحركات ، وكذلك روى العباس عن ابن عمرو ، وروى عن نافع { وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ } . مخفّفين ، الباقون بالاشباع فيها على الأصل . { لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ } . نؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعلت اليهود والنصارى ، وفي مصحف عبد الله لا نفرّقن .
قرأ جرير بن عبد الله وسعيد بن جبير وأبو زرعة بن عمرو بن جرير ويحيى بن يعمر والجحدري وابن أبي إسحاق ويعقوب : لا يفرّق بالياء على معنى لا نفرّق الكلّ ، فيجوز أن يكون خبراً عن الرسول .
وقرأ الباقون بالنون على إضمار القول تقديره : وقالوا لا نفرّق كقوله تعالى : { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم } [ الرعد : 23-24 ] وقوله : { فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ } [ آل عمران : 106 ] يعني فيقال لهم : أكفرتم . وقوله تعالى : { وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا } [ السجدة : 12 ] أي يقولون : ربّنا . { وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ } [ الزمر : 3 ] أي يقولون : ما نعبدهم .
وما يقتضي شيئين فصاعداً ، وإنّما قال ( بين أحد ) ولم يقل آحاد لأن الآحد يكون للواحد والجميع . قال الله { فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } [ الحاقة : 47 ] . وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " ما أحلّت الغنائم لأحد سود الرؤوس غيركم " .
ماذا ( أمور ) الناس ديكت دوكاً *** لا يرهبون أحداً رواكاً
{ وَقَالُواْ سَمِعْنَا } . قولك { وَأَطَعْنَا } . أمرك خلاف قول اليهود . وروى حكيم بن جابر أن جبرائيل عليه السلام أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم حين نزلت { آمَنَ الرَّسُولُ } .
فقال : إن الله عزّ وجلّ قد منَّ عليك وعلى أمّتك فاسأل تعطى ، فسأل رسول الله عزّ وجلّ فقال : غفرانك . { غُفْرَانَكَ } . وهو نصب على المصدر أي أغفر غفرانك ، مثل قولنا : سبحانك أي نسبّحك سبحانك .
وقيل معناه : نسألك غفرانك . { رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ *
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.