فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۚ كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَـٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّن رُّسُلِهِۦۚ وَقَالُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۖ غُفۡرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيۡكَ ٱلۡمَصِيرُ} (285)

آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير 285

( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه و المؤمنون ) أي بجميع ما أنزل إليه ، قال الزجاج : لما ذكر الله سبحانه في هذه السورة فرض الصلاة والزكاة والصيام وبين أحكام الحج والجهاد وحكم الحيض والطلاق والإيلاء وأقاصيص الأنبياء ، وبين حكم الربا ، ذكر تعظيمه ثم ذكر تصديق نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم ذكر تصديق جميع المؤمنين ذلك فقال ( آمن الرسول ) أي صدق الرسول بجميع هذه الأشياء التي جرى ذكرها وكذلك المؤمنون .

( كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ) أفرد الضمير في آمن لأن المراد إيمان كل فرد منهم من غير اعتبار الاجتماع كما اعتبر ذلك في قوله ( وكل أتوه داخرين ) وهذه أربع مراتب من أصول الدين وضرورياته .

وسبب نزولها الآية التي قبلها ، وقد تقدم بيان ذلك .

و قوله ( وملائكته ) أي من حديث كونهم عباده المكرمين المتوسطين بينه وبين أنبيائه في إنزال كتبه ، وقوله ( كتبه ) لأنها المشتملة على الشرائع التي تعبد بها عباده ، وقوله ( ورسله ) لأنهم المبلغون لعباده ما نزل إليهم .

وقرأ ابن عباس ( وكتابه ) قال الكتاب أكثر من الكتب وبينه صاحب الكشاف فقال : لأنه إذا أريد بالواحد الجنس والجنسية قائمة في وحدان الجنس كلها لم يخرج منه شئ ، وأما الجمع فلا يدخل تحته إلا ما فيه الجنسية من الجموع انتهى ، ومن أراد تحقيق المقام فليرجع إلى شرح التلخيص المطول عند قول الماتن واستغرق المفرد أشمل{[291]} .

( لا نفرق بين أحد من رسله ) فنؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعل اليهود والنصارى ، لم يقل بين آحاد لأن الأحد يتناول الواحد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث كما في قوله تعالى ( فما منكم من أحد عنه حاجزين ) فوصفه بقوله ( حاجزين ) لكونه في معنى الجمع .

( وقالوا سمعنا وأطعنا ) أي أدركناه بأسماعنا وفهمنا وأطعنا ما فيه وقيل معنى سمعنا أجبنا دعوتك ( غفرانك ربنا ) أي اغفر غفرانك ، قاله الزجاج وغيره ، وقيل نسألك غفرانك ، وقدم السمع والطاعة على طلب المغفرة لكون الوسيلة تتقدم على المتوسل إليه ( وإليك المصير ) أي المرجع والمآب بالبعث{[292]} .


[291]:وروى مسلم في "صحيحه" عن عبد الله قال: لما اسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم، انتهى به إلى سدرة المنتهى، وهي في السماء السادسة، اليها ينتهي ما يعرج به من الأرض، فيقبض منها، واليها ينتهي ما يهبط به من فوقها، فيقبض، قال: (إذ يغشى السدرة ما يغشى ) قال: فراش من ذهب، قال: وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا: اعطي الصلوات الخمس، وأعطي خواتيم سورة البقرة، وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئا المقحمات. والمقحمات، بكسر الحاء: الذنوب العظام التي تقحم أصحابها في النار، أي تلقيهم فيها.
[292]:روى العلاء عن أبيه عن أبي هريرة قال، لما أنزل الله تعالى ( وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم الله) اشتد ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم [ فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جثوا على الركب] فقالوا: قد أنزل عليك هذه الآية ولا نطيقها، فقال:" أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا واليك المصير". فلما قالوها وذلت بها ألسنتهم، أنزل الله في أثرها (آمن الرسول).