قوله تعالى : { قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه } يعني : يعطى خلفه ، قال سعيد بن جبير : ما كان في غير إسراف ولا تقتير فهو يخلفه . وقال الكلبي : ما تصدقتم من صدقة وأنفقتم في الخير من نفقة فهو يخلفه على المنفق ، إما أن يعجله في الدنيا وإما أن يدخره له في الآخرة . { وهو خير الرازقين } خير من يعطي ويرزق . وروينا عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى أنفق يا ابن آدم أنفق عليك " . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، أنبأنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا إسماعيل ، حدثنا أبي ، عن سليمان هو ابن بلال ، عن معاوية بن أبي مزرد ، عن أبي الحبحاب ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقاً خلفاً ، ويقول الآخر اللهم أعط ممسكاً تلفاً " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ، أنبأنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ، أنبأنا حميد بن زنجويه ، أنبأنا ابن أبي أويس ، أنبأنا عبد العزيز بن محمد ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما نقصت صدقة من مال ، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو منصور السمعاني ، أنبأنا أبو جعفر الرياني ، أنبأنا حميد بن زنجويه ، أنبأنا أبو الربيع ، أنبأنا عبد الحميد بن الحسن الهلالي ، أنبأنا محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل معروف صدقة وكل ما أنفق الرجل على نفسه وأهله كتب له صدقة ، وما وقى الرجل به عرضه كتب له به صدقة " .
قلت : ما يعني " ما وقى الرجل عرضه " قال : ما أعطى الشاعر وذا اللسان للتقى ، وما أنفق المؤمن من نفقة فعلى الله خلفها ضامناً إلا ما كان من نفقة في بنيان أو في معصية الله عز وجل . قوله : قلت ما يعني يقول عبد الحميد لمحمد بن المنكدر . قال مجاهد : إذا كان في يد أحدكم شيء فليقتصد ، ولا يتأول هذه الآية : { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه } فإن الرزق مقسوم لعل رزقه قليل ، وهو ينفق نفقة الموسع عليه . ومعنى الآية : وما كان من خلف فهو منه .
ثم أعاد تعالى أنه { يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ } ليرتب عليه قوله : { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ } نفقة واجبة ، أو مستحبة ، على قريب ، أو جار ، أو مسكين ، أو يتيم ، أو غير ذلك ، { فَهُوَ } تعالى { يُخْلِفُهُ } فلا تتوهموا أن الإنفاق مما ينقص الرزق ، بل وعد بالخلف للمنفق ، الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر { وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } فاطلبوا الرزق منه ، واسعوا في الأسباب التي أمركم بها .
وقوله : { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ } أي : بحسب مَا لَه في ذلك من الحكمة ، يبسط على هذا من المال كثيرا ، ويضيق على هذا ويقتر على هذا رزقه جدًا ، وله في ذلك من الحكمة ما لا يدركها غيره ، كما قال تعالى : { انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا } [ الإسراء : 21 ] أي : كما هم متفاوتون في الدنيا : هذا فقير مدقع ، وهذا غني مُوَسَّع عليه ، فكذلك هم في الآخرة : هذا في الغُرفات في أعلى الدرجات ، وهذا في الغَمرَات في أسفل الدركات . وأطيب الناس في الدنيا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد أفلح مَنْ أسلم ورُزق كَفَافا ، وقَنَّعه الله بما آتاه " . رواه مسلم من حديث ابن عَمْرو . {[24379]}
وقوله : { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ } أي : مهما أنفقتم من شيء فيما أمركم به وأباحه لكم ، فهو يخلفه عليكم في الدنيا بالبدل ، وفي الآخرة بالجزاء والثواب ، كما ثبت في الحديث{[24380]} : يقول الله تعالى : أنْفق{[24381]} أنْفق عليك " {[24382]} . وفي الحديث : أن ملكين يَصيحان كل يوم ، يقول أحدهما : " اللهم أعط مُمْسِكا تَلَفًا " ، ويقول الآخر : " اللهم أعط منفقا خَلَفًا " {[24383]} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنفق بلالا ولا تخش من ذي العرش إقلالا " {[24384]} .
وقال{[24385]} ابن أبي حاتم عن يزيد بن عبد العزيز الطلاس ، حدثنا هُشَيْم عن الكوثر بن حكيم ، عن مكحول قال : بلغني عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا إن بعدكم{[24386]} زمان عضوض ، يعض الموسر على ما في يده{[24387]} حذار الإنفاق " . ثم تلا هذه الآية : { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينََ }{[24388]}
وقال{[24389]} الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا روح بن حاتم ، حدثنا هُشَيم ، عن الكوثر بن حكيم عن مكحول قال : بلغني عن حذيفة أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا إن بعد زمانكم هذا زمان عضوض ، يعض الموسر على ما في يديه حذار الإنفاق " ، قال الله تعالى : { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينََ } ، وَيَنْهَل شرار الخلق يبايعون كل مضطر ، ألا إن بيع المضطرين حرام ، [ ألا إن بيع المضطرين حرام ]{[24390]} المسلم أخو المسلم . لا يظلمه ولا يخذله ، إن كان عندك معروف ، فَعُد به على أخيك ، وإلا فلا تَزده هلاكا إلى هلاكه " .
هذا حديث غريب من هذا الوجه ، وفي إسناده ضعف . {[24391]}
وقال سفيان الثوري ، عن أبي يونس الحسن بن يزيد قال : قال مجاهد : لا يتأولن أحدكم هذه الآية : { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهَ } : إذا كان عند أحدكم ما يقيمه فليقصد فيه ، فإن الرزق مقسوم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.