البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قُلۡ إِنَّ رَبِّي يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ وَيَقۡدِرُ لَهُۥۚ وَمَآ أَنفَقۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَهُوَ يُخۡلِفُهُۥۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (39)

ولما كان افتخارهم بكثرة الأموال والأولاد ، أخبروا أن ذلك على ما شاء الله كبر ، وذلك المعنى تأكيد أن ذلك جار على ما شاء الله ، إلا أن ذلك على حسب الاستحقاق ، لا التكرمة ، ولا الهوان .

ومعنى { فهو يخلفه } : أي يأتي بالخلف والعوض منه ، وكان لفظ من عباده مشعرة بالمؤمنين ، وكذلك الخطاب في { وما أنفقتم } : يقصد هنا رزق المؤمنين ، فليس مساق .

{ قل إن ربي يبسط } : مساق ما قيل للكفار ، بل مساق الوعظ والتزهيد في الدنيا ، والحض على النفقة في طاعة الله ، وإخلاف ما أنفق ، إما منجزاً في الدنيا ، وإما مؤجلاً في الآخرة ، وهو مشروط بقصد وجه الله .

وقال مجاهد : من كان عنده من هذا المال ما يقيمه فليقتصد ، وأن الرزق مقسوم ، ولعل ما قسم له قليل ، وهو ينفق نفقة الموسع عليه ، فينفق جميع ما في يده ، ثم يبقى طول عمره في فقر ولا يتأتى .

{ وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه } : في الآخرة ، ومعنى الآية : ما كان من خلف فهو منه .

وجاء { الرازقين } جمعاً ، وإن كان الرازق حقيقة هو الله وحده ، لأنه يقال : الرجل يرزق عياله ، والأمير جنده ، والسيد عبده ، والرازقون جمع بهذا الاعتبار ، لكن أولئك يرزقون مما رزقهم الله ، وملكهم فيه التصرف ، ولله تعالى يرزق من خزائن لا تفنى ، ومن إخراج من عدم إلى وجود .