فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قُلۡ إِنَّ رَبِّي يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ وَيَقۡدِرُ لَهُۥۚ وَمَآ أَنفَقۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَهُوَ يُخۡلِفُهُۥۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (39)

ثم كرر سبحانه ما تقدم لقصد التأكيد للحجة والدفع لما قاله الكفرة فقال : { قُلْ : إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ } أي يوسعه لمن يشاء ويضيقه على من يشاء ليس في ذلك دلالة على سعادة ولا شقاوة ، وفي القاري : هذا في شخص واحد باعتبار وقتين أو في المؤمن ، وما سبق في شخصين أو في الكافر فلا تكرار ونحوه في البيضاوي ، قال الشهاب : بل فيه تقرير لأن التوسيع والتقتير ليسا لكرامة ولا هوان فإنه لو كان كذلك لم يتصف بهما شخص واحد .

{ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ } على أنفسكم وعيالكم وقيل : ما تصدقتم { فَهُوَ يُخْلِفُهُ } عليكم أي يعطي خلفه إذا كان في غير إسراف . يقال : أخلف له وأخلف عليه إذا أعطاه عوضه وبدله ، وذلك البدل إما في الدنيا وإما في الآخرة أو فيهما معا إما عاجلا بالمال أو بالقناعة التي هي كنز لا ينفد ، وإما آجلا بالثواب في الآخرة الذي كل خلف دونه ، وقال مجاهد : هذا في الآخرة .

وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ما نقصت صدقة من مال ، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ) ، أخرجه مسلم ، وقال ابن عباس في الآية : يعني في غير إسراف ولا تقتير .

وعن مجاهد والحسن مثله ، وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كلما أنفق العبد من نفقة فعلى الله خلفها ضامنا إلا نفقة في بنيان أو معصية " أخرجه الدارقطني والبيهقي . وأخرج نحوه ابن عدي في الكامل والبيهقي من وجه آخر عنه مرفوعا بأطول منه .

وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال الله عز وجل : ( أنفق يا ابن آدم أنفق عليك ) ، وثبت في الصحيح من حديثه أيضا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقا خلفا ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكا تلفا ) .

وعن علي ابن أبي طالب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن لكل يوم نحسا فادفعوا نحس ذلك اليوم بالصدقة ) ، ثم قال اقرأوا مواضع الخلف فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه ، إذا لم ينفقوا كيف يخلف ) . أخرجه ابن مردويه .

وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن المعونة تنزل من السماء على قدر المؤنة ) .

{ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } فإن رزق العباد لبعضهم البعض إنما هو بتيسير الله وتقديره وليسوا برازقين على الحقيقة ، بل على طريق المجاز كما يقال في الرجل : إنه يرزق عياله وفي الأمير إنه يرزق جنده والرازق للأمير والمأمور والكبير والصغير هو الخالق لهم ، ومن أخرج من العباد إلى غيره شيئا فهو مما رزقه الله وأجراه على يده ، قال بعضهم : الحمد لله الذي أوجدني وجعلني ممن يشتهي ، فكم من مشته لا يجد ، وكم من واجد لا يشتهي .