الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{قُلۡ إِنَّ رَبِّي يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ وَيَقۡدِرُ لَهُۥۚ وَمَآ أَنفَقۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَهُوَ يُخۡلِفُهُۥۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (39)

{ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ } . قال سعيد بن جبير : ما كان من غير إسراف ولا تقتير فهو يخلفه ، وقال الكلبي : ما تصدقتم من صدقة وأنفقتم في الخير والبر من نفقة فهو يخلفه إما أن يعجله في الدنيا وإما أن يدخر له في الآخرة . أخبرني الحسين بن محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان بن عبد الله قال : حدثنا أبي قال : حدثنا علي بن داوُد القنطري قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثنا الليث بن سعد ، عن عمرو بن الحرث عن أبي يونس مولى أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إنّ الله عزّ وجل قال لي : أنفق أُنفق عليك " .

وأخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا ابن شاذان عن جعونة بن محمد قال : حدثنا صالح ابن محمد عن سُليمان بن عمرو عن ابن حزم عن أنس بن مالك أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يُنادي مناد كلّ ليلة : لادواء للموت وينادي مناد : ابنوا للخراب ، ويُنادي مُناد : اللهمّ هب للمنفق خلفاً ، ويُنادي مناد : اللهم هب للممسك تلفاً ، وينادي مناد : ليت الناس لم يخلقوا ، وينادي مناد : ليتهم إذ خُلقوا فكروا فيما له خُلقوا " .

وأخبرني الحسين بن محمد الحافظ قال : حدثنا موسى بن محمد قال : حدثنا الحسن بن علويه قال : حدثنا إسماعيل بن عيسى قال : حدثنا المسيب ، قال : حدثنا محمد بن عمرو عن يحيى بن عبد الرَّحْمن عن أبيه قال : قال عمر لصهيب : إنك رجل لا تمسك شيئاً ، قال : إني سمعت الله عز وجل يقول : { وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ } .

{ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } ، وأخبرني أبو سُفيان الثقفي قال : حدثنا الفضل بن الفضل الكندي قال : حدثنا الحسن بن داوُد الخشاب قال : حدثنا سُويد بن سعيد قال : حدثنا عبد الحميد بن الحسن عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل معروف صدقة وما أنفق الرجل على نفسه وأهله فهو له صدقة وما وقى به عرضه فهو صدقة ، وما أنفق المؤمن من نفقة فإنّ خلفها على الله ضامن إلاّ ما كان نفقة في بنيان أو معصية " .

قال عبد الحميد : فقلت لمحمد : ما معنى " ما يقي به الرجل عرضه " ؟ قال : يُعطي الشاعر أو ذا اللسان المتّقى .

وقال مجاهد : إذا كان في يد أحدكم شيء فليقتصد ولا يتأول هذه الآية { وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ } فإنّ الرزق مقسوم ، فلعل رزقه قليل وهو يُنفق نفقة الموسع عليه ، ومعنى الآية ( ما كان من خلف فهو منه ) ، وربما أنفق الإنسان ماله أجمع في الخير ثم لم يزل عائلاً حتى يموت ، ولكن ما كان من خلف فهو منه ، ودليل تأويل مجاهد ما أخبرني أبو سُفيان الحسين بن محمد بن عبد الله قال : حدثنا محمد بن الحسين بن بشير قال : أخبرني أبو بكر بن أبي الخصيب قال : حدثنا معاذ بن المثنى قال : حدثنا عمرو بن الحصين قال : حدثنا ابن علانة وهو محمد عن الأوزاعي عن ابن أبي موسى عن أبي أُمامة قال : إنكم تؤوّلون هذه الآية على غير تأويلها { وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ } .

وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وإلاّ فصُمتا : " إياكم والسّرف في المال والنفقة ، وعليكم بالاقتصاد ، فما افتقر قوم قط اقتصدوا " .

وقال ( عليه السلام ) : " ما عال من اقتصد " .

وأخبرني ابن فنجويه قال : حدثنا موسى بن محمد بن إبراهيم بن هاشم البغوي قال : حدثنا أحمد بن حنبل قال : حدثنا عاصم بن خالد قال : أخبرني أبو بكر قال : حدثنا حمزة عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من فقه الرجل رفقه في معيشته " .

{ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } وإنما جاز الجمع ؛ لأنه يُقال : رزق السلطان الجند ، وفلان يرزق عياله ، كأنه قال : وهو خير المعطين .