قوله تعالى : { إنا أرسلناك بالحق } . أي بالصدق كقوله ( ويستنبئونك أحق هو ؟قل أي وربي إنه لحق ) أي صدق ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : بالقرآن دليله { بل كذبوا بالحق لما جاءهم } وقال ابن كيسان : بالإسلام وشرائعه ، دليله قوله عز وجل : { وقل جاء الحق } وقال مقاتل : معناه لم نرسلك عبثاً ، وإنما أرسلناك بالحق كما قال : { وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق } .
قوله تعالى : { بشيراً } . أي مبشراً لأوليائي وأهل طاعتي بالثواب الكريم .
قوله تعالى : { ونذيراً } . أي منذراً مخوفاً لأعدائي وأهل معصيتي بالعذاب الأليم ، قرأ نافع و يعقوب .
قوله تعالى : { ولا تسأل } . على النهي قال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما : وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم : " ليت شعري ما فعل أبواي " فنزلت هذه الآية ، وقيل : هو على معنى ولا تسأل عن شر فلان فإنه فوق ما تحسب وليس على النهي ، وقرأ الآخرون ولا تسأل بالرفع على النفي بمعنى ولست بمسؤول عنهم ، كما قال الله تعالى : { فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب } .
ثم ذكر تعالى بعض آية موجزة مختصرة جامعة للآيات الدالة على صدقه صلى الله عليه وسلم وصحة ما جاء به فقال : { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا } فهذا مشتمل على الآيات التي جاء بها ، وهي ترجع إلى ثلاثة أمور :
الأول : في نفس إرساله ، والثاني : في سيرته وهديه ودله ، والثالث : في معرفة ما جاء به من القرآن والسنة .
فالأول والثاني ، قد دخلا في قوله : { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ } والثالث دخل في قوله : { بِالْحَقِّ }
وبيان الأمر الأول وهو - نفس إرساله - أنه قد علم حالة أهل الأرض قبل بعثته صلى الله عليه وسلم وما كانوا عليه من عبادة الأوثان والنيران ، والصلبان ، وتبديلهم للأديان ، حتى كانوا في ظلمة من الكفر ، قد عمتهم وشملتهم ، إلا بقايا من أهل الكتاب ، قد انقرضوا قبيل البعثة .
وقد علم أن الله تعالى لم يخلق خلقه سدى ، ولم يتركهم هملا ، لأنه حكيم عليم ، قدير رحيم ، فمن حكمته ورحمته بعباده ، أن أرسل إليهم هذا الرسول العظيم ، يأمرهم بعبادة الرحمن وحده لا شريك له ، فبمجرد رسالته يعرف العاقل صدقه ، وهو آية كبيرة على أنه رسول الله ، وأما الثاني : فمن عرف النبي صلى الله عليه وسلم معرفة تامة ، وعرف سيرته وهديه قبل البعثة ، ونشوءه على أكمل الخصال ، ثم من بعد ذلك ،
قد ازدادت مكارمه وأخلاقه العظيمة الباهرة للناظرين ، فمن عرفها ، وسبر أحواله ، عرف أنها لا تكون إلا أخلاق الأنبياء الكاملين ، لأن الله تعالى جعل الأوصاف أكبر دليل على معرفة أصحابها وصدقهم وكذبهم .
وأما الثالث : فهو معرفة ما جاء به صلى الله عليه وسلم من الشرع العظيم ، والقرآن الكريم ، المشتمل على الإخبارات الصادقة ، والأوامر الحسنة ، والنهي عن كل قبيح ، والمعجزات الباهرة ، فجميع الآيات تدخل في هذه الثلاثة .
قوله : { بَشِيرًا } أي لمن أطاعك بالسعادة الدنيوية والأخروية ، { نَذِيرًا } لمن عصاك بالشقاوة والهلاك الدنيوي والأخروي .
{ وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ } أي : لست مسئولا عنهم ، إنما عليك البلاغ ، وعلينا الحساب .
وإذا انتهت مقولاتهم ، وفندت أباطيلهم ، وكشفت الدوافع الكامنة وراء أضاليلهم ، يتجه الخطاب إلى رسول الله [ ص ] يبين له وظيفته ، ويحدد له تبعاته ، ويكشف له عن حقيقة المعركة بينه وبين اليهود والنصارى ، وطبيعة الخلاف الذي لا حل له إلا بثمن لا يملكه ولا يستطيعه ! ولو أداه لتعرض لغضب الله مولاه ؛ وحاشاه !
إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ، ولا تسأل عن أصحاب الجحيم . ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم . قل : إن هدى الله هو الهدى ، ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير . الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته . أولئك يؤمنون به . ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون . .
( إنا أرسلناك بالحق ) . . وهي كلمة فيها من التثبيت ما يقضي على شبهات المضللين ، ومحاولات الكائدين ، وتلبيس الملفقين . وفي جرسها صرامة توحي بالجزم واليقين .
( بشيرا ونذيرا ) . . وظيفتك البلاغ والأداء ، تبشر الطائعين وتنذر العصاة ، فينتهي دورك .
( ولا تسأل عن أصحاب الجحيم ) . . الذي يدخلون الجحيم بمعصيتهم ، وتبعتهم على أنفسهم .
{ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ }( 119 )
المعنى { بشيراً } لمن آمن ، { ونذيراً } لمن كفر ، وقرأ( {[1192]} ) نافع وحده «ولا تسألْ » بالجزم على النهي ، وفي ذلك معنيان : أحدهما لا تسأل على جهة التعظيم لحالهم من العذاب ، كما تقول : فلان لا تسأل عنه ، تعني أنه في نهاية تشهره من خير أو شر ، والمعنى الثاني( {[1193]} ) روي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «ليت شعري ما فعل أبواي » فنزلت { ولا تسأل }( {[1194]} ) .
وحكى المهدوي رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «ليت شعري أي أبوي أحدث موتاً » ، فنزلت( {[1195]} ) .
قال القاضي أبو محمد : وهذا خطأ ممن رواه أو ظنه لأن أباه مات وهو في بطن أمه ، وقيل وهو ابن شهر ، وقيل ابن شهرين ، وماتت أمه بعد ذلك بخمس سنين منصرفة به من المدينة من زيارة أخواله ، فهذا مما لا يتوهم أنه خفي عليه صلى الله عليه وسلم ، وقرأ باقي السبعة «ولا تُسألُ » بضم التاء واللام ، وقرأ قوم «ولا تَسألُ » بفتح التاء وضم اللام ، ويتجه في هاتين القراءتين معنيان : أحدهما الخبر أنه لا يسأل عنهم ، أو لا يسأل هو عنهم ، والآخر أن يراد معنى الحال كأنه قال : وغير مسؤول( {[1196]} ) أو غير سائل( {[1197]} ) عنهم ، عطفاً على قوله { بشيراً ونذيراً } ، وقرأ أبي بن كعب «وما تسأل » وقرأ ابن مسعود «ولن تسأل » ، وهاتان القراءتان تؤيدان معنى القطع والاستئناف في غيرهما( {[1198]} ) ، و { الجحيم } إحدى طبقات النار .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.