إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ بِٱلۡحَقِّ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗاۖ وَلَا تُسۡـَٔلُ عَنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلۡجَحِيمِ} (119)

{ إِنَّا أرسلناك بالحق } أي ملتبساً بالقرآن كما في قوله تعالى : { بَلْ كَذَّبُواْ بالحق لَمَّا جَاءهُمْ } أو بالصدق كما في قوله تعالى : { أَحَقّ هو } . وقولُه تعالى : { بَشِيراً وَنَذِيراً } حال من المفعول باعتبار تقييدِه بالحال الأولى أي أُرْسلناك ملتبساً بالقرآن حالَ كونك بشيراً لمن آمن بما أُنزِل عليك وعمِل به ونذيراً لمن كفَر به أو أرسلناك صادقاً حال كونِك بشيراً لمن صدّقك بالثواب ونذيراً لمن كذّبك بالعذاب ليختاروا لأنفسهم ما أحبّوا لا قاسرَ لهم على الإيمان فلا عليك إنْ أصرُّوا وكابروا { وَلاَ تُسْألُ عَنْ أصحاب الجحيم } ما لهم لم يؤمنوا بعدما بلّغْتَ ما أُرسلتَ به وقرئ ( لن تُسأل ) وقرئ لا تَسْألْ على صيغة النهي إيذاناً بكمال شدةِ عقوبةِ الكفار وتهويلاً لها كأنها لغاية فظاعتها لا يقدِرُ المخبِرُ على إجرائها على لسانه أو لا يستطيع السامعُ أن يسمع خبرَها ، وحملُه على نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن السؤال عن حال أبويه مما لا يساعدُه النظمُ الكريمُ والجحيمُ : المتأججُ من النار ، وفي التعبير عنهم بصاحبية الجحيم دون الكفر والتكذيب ونحوهما وعيدٌ شديد لهم وإيذانٌ بأنهم مطبوعٌ عليهم لا يرجى منهم الإيمانُ قطعاً .