معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَا تُؤۡتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمۡوَٰلَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ قِيَٰمٗا وَٱرۡزُقُوهُمۡ فِيهَا وَٱكۡسُوهُمۡ وَقُولُواْ لَهُمۡ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا} (5)

قوله تعالى : { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً } . اختلفوا في هؤلاء السفهاء ، فقال قوم : هم النساء ، وقال الضحاك : النساء من أسفه السفهاء ، وقال مجاهد : نهى الرجال أن يؤتوا النساء أموالهم وهن سفهاء سواء كن أزواجاً أو بنات أو أمهات ، وقال الآخرون : هم الأولاد ، قال الزهري : يقول لا تعط ولدك السفيه مالك الذي هو قيامك بعد الله تعالى فيفسده ، وقال بعضهم : هم النساء والصبيان ، وقال الحسن : هي امرأتك السفيهة وابنتك السفيهة . وقال ابن عباس : لا تعمد إلى مالك الذي خولك الله وجعله لك معيشة فتعطيه امرأتك أو بنيك فيكونوا هم الذين يقومون عليك ثم تنظر إلى ما في أيديهم ، ولكن أمسك مالك وأصلحه وكن أنت الذي تنفق عليهم في رزقهم ومؤنتهم ، قال الكلبي : إذا علم الرجل أن امرأته سفيهة مفسدة وأن ولده سفيه مفسد فلا ينبغي أن يسلط واحداً منهما على ماله فيفسده . وقال سعيد بن جبير وعكرمة : هو مال اليتيم يكون عندك يقول لا تؤته إياه وأنفقه عليه حتى يبلغ وإنما أضاف إلى الأولياء فقال : { أموالكم } لأنهم قوامها ومدبروها ، والسفيه الذي لا يجوز لوليه أن يؤتيه ماله هو المستحق للحجر عليه ، وهو أن يكون مبذراً في ماله أو مفسداً في دينه ، فقال جل ذكره : { ولا تؤتوا السفهاء } أي : الجهال بموضع الحق أموالكم التي جعل الله لكم قياما ، قرأ نافع وابن عامر { قيماً } بلا ألف ، وقرأ الآخرون : { قياماً } وأصله : " قواماً " ، فانقلبت الواو ياءً لانكسار ما قبلها ، وهو ملاك الأمر وما يقوم به الأمر وأراد هنا قوام عيشكم الذي تعيشون به . قال الضحاك به يقام الحج والجهاد وأعمال البر وبه فكاك الرقاب من النار .

قوله تعالى : { وارزقوهم فيها } . أي : أطعموهم .

قوله تعالى : { واكسوهم } . لمن يجب عليكم رزقه ومؤنته ، وإنما قال فيها ، ولم يقل : منها ، لأنه أراد أنهم جعلوا لهم فيها رزقاً ، فإن الرزق من الله العطية من غير حد ومن العباد أجر مؤقت محدود .

قوله تعالى : { وقولوا لهم قولاً معروفاً } . عدة جميلة ، وقال عطاء : إذا ربحت أعطيتك وإن غنمت فلك فيه حظ ، وقيل : هو الدعاء : وقال ابن زيد : إن لم يكن ممن تجب عليك نفقته فقل له : عافانا الله وإياك بارك الله فيك ، وقيل : قولاً تطيب به أنفسهم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَا تُؤۡتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمۡوَٰلَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ قِيَٰمٗا وَٱرۡزُقُوهُمۡ فِيهَا وَٱكۡسُوهُمۡ وَقُولُواْ لَهُمۡ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا} (5)

{ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا }

وقوله تعالى : { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا } السفهاء : جمع " سفيه " وهو : من لا يحسن التصرف في المال ، إما لعدم عقله كالمجنون والمعتوه ، ونحوهما ، وإما لعدم رشده كالصغير وغير الرشيد . فنهى الله الأولياء أن يؤتوا هؤلاء أموالهم خشية إفسادها وإتلافها ، لأن الله جعل الأموال قياما لعباده في مصالح دينهم ودنياهم ، وهؤلاء لا يحسنون القيام عليها وحفظها ، فأمر الولي أن لا يؤتيهم إياها ، بل يرزقهم منها ويكسوهم ، ويبذل منها ما يتعلق بضروراتهم وحاجاتهم الدينية والدنيوية ، وأن يقولوا لهم قولا معروفا ، بأن يعدوهم -إذا طلبوها- أنهم سيدفعونها لهم بعد رشدهم ، ونحو ذلك ، ويلطفوا لهم في الأقوال جبرًا لخواطرهم .

وفي إضافته تعالى الأموال إلى الأولياء ، إشارة إلى أنه يجب عليهم أن يعملوا في أموال السفهاء ما يفعلونه في أموالهم ، من الحفظ والتصرف وعدم التعريض للأخطار . وفي الآية دليل على أن نفقة المجنون والصغير والسفيه في مالهم ، إذا كان لهم مال ، لقوله : { وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ }

وفيه دليل على أن قول الولي مقبول فيما يدعيه من النفقة الممكنة والكسوة ؛ لأن الله جعله مؤتمنا على مالهم فلزم قبول قول الأمين .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَا تُؤۡتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمۡوَٰلَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ قِيَٰمٗا وَٱرۡزُقُوهُمۡ فِيهَا وَٱكۡسُوهُمۡ وَقُولُواْ لَهُمۡ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا} (5)

1

إن هذا المال ، ولو أنه مال اليتامى ، إلا أنه - قبل هذا - مال الجماعة ، أعطاها الله إياه لتقوم به ؛ وهي متكافلة في الانتفاع بهذا المال على أحسن الوجوه . فالجماعة هي المالكة ابتداء للمال العام ، واليتامى أو مورثوهم إنما يملكون هذا المال لاستثماره - بإذن من الجماعة - ويظلون ينتفعون به وينفعون الجماعة معهم ، ما داموا قادرين على تكثيره وتثميره ؛ راشدين في تصريفه وتدبيره - والملكية الفردية بحقوقها وقيودها قائمة في هذا الإطار - أما السفهاء من اليتامى ذوي المال ، الذين لا يحسنون تدبير المال وتثميره ، فلا يسلم لهم ، ولا يحق لهم التصرف فيه والقيام عليه - وإن بقيت لهم ملكيتهم الفردية فيه لا تنزع منهم - إنما يعود التصرف في مال الجماعة إلى من يحسن التصرف فيه من الجماعة . مع مراعاة درجة القرابة لليتميم ، تحقيقا للتكافل العائلي ، الذي هو قاعدة التكافل العام بين الأسرة الكبرى ! وللسفيه حق الرزق والكسوة في ماله مع حسن معاملته :

( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما ، وارزقوهم فيها واكسوهم ، وقولوا لهم قولا معروفا ) . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَا تُؤۡتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمۡوَٰلَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ قِيَٰمٗا وَٱرۡزُقُوهُمۡ فِيهَا وَٱكۡسُوهُمۡ وَقُولُواْ لَهُمۡ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا} (5)

روي أنا ناسا كانوا يتأثمون أن يقبل أحدهم من زوجته شيئا مما ساق إليها . فنزلت .

{ ولا تؤتوا السفهاء أموالكم } نهي للأولياء عن أن يؤتوا الذين لا رشد لهم أموالهم فيضيعوها ، وإنما أضاف الأموال إلى الأولياء لأنها في تصرفهم وتحت ولايتهم ، وهو الملائم للآيات المتقدمة والمتأخرة . وقيل نهي لكل أحد أن يعمد إلى ما خوله الله تعالى من المال فيعطى امرأته وأولاده ، ثم ينظر إلى أيديهم . وإنما سماهم سفهاء استخفافا بعقولهم واستهجانا لجعلهم قواما على أنفسهم وهو أوفق لقوله : { التي جعل الله لكم قياما } أي تقومون بها وتنتعشون ، وعلى الأول يؤول بأنها التي من جنس ما جعل الله لكم قياما سمي ما به القيام قياما للمبالغة . وقرأ نافع وابن عامر " قيما " بمعناه كعوذ بمعنى عياذ . وقرئ " قواما " وهو ما يقام به . { وارزقوهم فيها واكسوهم } واجعلوها مكانا لرزقهم وكسوتهم بأن تتجروا فيها وتحصلوا من نفعها ما يحتاجون إليه . { وقولوا لهم قولا معروفا } عدة جميلة تطيب بها نفوسهم ، والمعروف ما عرفه الشرع أو العقل بالحسن ، والمنكر ما أنكره أحدهما لقبحه .