معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{بَلۡ عَجِبۡتَ وَيَسۡخَرُونَ} (12)

قوله تعالى{ بل عجبت ويسخرون } اختلفت القراء في قراءة ذلك فقرأته عامة قراء الكوفة{ بل عجبت ويسخرون }بضم التاء من عجبت ، بمعنى : بل عظم عندي وكبر اتخاذهم لي شريكا . وقرأ ذلك عامة قراء البصرة وبعض قراء الكوفة { بل عجبت } بفتح التاء بمعنى : بل عجبت أنت يا محمد ، ويسخرون من هذا القرآن . إذن فهما قراءتان مشهورتان في قراء الأمصار ، فبأيهما قرأ القارئ فهو مصيب . وقال قتادة في هذه الآية{ بل عجبت ويسخرون }عجب محمد عليه الصلاة والسلام من هذا القرآن حين أعطيه وسخر منه أهل الضلالة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{بَلۡ عَجِبۡتَ وَيَسۡخَرُونَ} (12)

{ 12 - 21 } { بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ * وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ * وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ * وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ * قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ * فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ * وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ * هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ }

{ بَلْ عَجِبْتَ } يا أيها الرسول وأيها الإنسان ، من تكذيب من كذب بالبعث ، بعد أن أريتهم من الآيات العظيمة والأدلة المستقيمة ، وهو حقيقة محل عجب واستغراب ، لأنه مما لا يقبل الإنكار ، { و } أعجب من إنكارهم وأبلغ منه ، أنهم { يَسْخَرُونَ } ممن جاء بالخبر عن البعث ، فلم يكفهم مجرد الإنكار ، حتى زادوا السخرية بالقول الحق .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{بَلۡ عَجِبۡتَ وَيَسۡخَرُونَ} (12)

( بل عجبت ويسخرون . وإذا ذكروا لا يذكرون . وإذا رأوا آية يستسخرون ) . .

وحق لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أن يعجب من أمرهم . فإن المؤمن الذي يرى الله في قلبه كما يراه محمد [ صلى الله عليه وسلم ] ويرى آيات الله واضحة هذا الوضوح ، كثيرة هذه الكثرة ، يعجب - لا شك - ويدهش كيف يمكن أن تعمى عنها القلوب ? وكيف يمكن أن تقف منها هذا الموقف العجيب !

وبينما رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يعجب منهم هذا العجب ، إذا هم يسخرون من القضية الواضحة التي يعرضها عليهم ، سواء في وحدانية الله ، أو في شأن البعث والنشور .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{بَلۡ عَجِبۡتَ وَيَسۡخَرُونَ} (12)

وقوله : { بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ } أي : بل عجبت - يا محمد - من تكذيب هؤلاء المنكرين للبعث ، وأنت موقن مصدق بما أخبر الله به من الأمر العجيب ، وهو إعادة الأجسام بعد فنائها . وهم بخلاف أمرك ، من شدة تكذيبهم يسخرون مما تقول لهم من ذلك .

قال قتادة : عجب محمد صلى الله عليه وسلم ، وسَخِر ضُلال بني آدم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{بَلۡ عَجِبۡتَ وَيَسۡخَرُونَ} (12)

{ بَلْ } للإِضراب الانتقالي من التقرير التوبيخي إلى أن حالهم عجب .

وقرأ الجمهور { بَلْ عَجِبْتَ } بفتح التاء للخطاب . والخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم المخاطبِ بقوله : { فَاستَفْتِهِم } [ الصافات : 11 ] . وفعل المضيّ مستعمل في معنى الأمر وهو من استعمال الخبر في معنى الطلب للمبالغة كما يستعمل الخبر في إنشاء صيغ العقود نحو : بِعت . والمعنى : اعجَبْ لهم . ويجوز أن يكون العجب قد حصل من النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى إعْراضهم وقلة إنصافهم فيكون الخبر مستعملاً في حقيقته . ويجوز أن يكون الكلام على تقدير همزة الاستفهام ، أي بل أعجبت .

والمعنى على الجميع : أن حالهم حرية بالتعجب كقوله تعالى : { وإن تعجب فعجب قولهم أإذا كنا تراباً أإنا لفي خلق جديد } في سورة [ الرعد : 5 ] .

وقرأ حمزة والكسائي وخلف { بَلْ عَجِبْتُ } بضم التاء للمتكلم فيجوز أن يكون المراد : أن الله أسند العجب إلى نفسه . ويُعرَف أنه ليس المراد حقيقةَ العجب المستلزمة الروعة والمفاجأة بأمر غير مترقب بل المراد التعجيب أو الكناية عن لازمه ، وهو استعظام الأمر المتعجب منه . وليس لهذا الاستعمال نظير في القرآن ولكنه تكرر في كلام النبوءة منه قوله صلى الله عليه وسلم " إن الله ليعجب من رجلين يَقتُل أحدهُما الآخرَ يدخلان الجنة يقاتل هذا في سبيل الله فيُقتل ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد " رواه النسائي بهذا اللفظ . يعني ثم يسلم القاتل الذي كان كافراً فيقاتل فيستشهد في سبيل الله .

وقولُه في حديث الأنصاري وزوجه إذ أضافا رجلاً فأطعماه عشاءهما وتركا صبيانهما « عجِب الله من فعالكما » .

ونزل فيه { ويؤثرون على أنفسهم }{[347]} [ الحشر : 9 ] . وقوله : « عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل »{[348]} . وإنما عدل عن الصريح وهو الاستعظام لأن الكناية أبلغ من التصريح ، والصارف عن معنى اللفظ الصريح في قوله : { عَجِبْتُ } ما هو معلوم من مخالفته تعالى للحوادث . ويجوز أن يكون أطلق { عجبت } على معنى المجازاة على عَجبهم لأن قوله : { فاستفتهم أهم أشدُّ خلقاً } [ الصافات : 11 ] دلّ على أنهم عجبوا من إعادة الخلق فتوعدهم الله بعقاب على عَجبهم . وأطلق على ذلك العقاب فعل { عجبت } كما أطلق على عقاب مكرهم المكرُ في قوله : { ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين } [ آل عمران : 54 ] .

والواو في { ويَسْخَرُونَ } واو الحال ، والجملة في موضع الحال من ضمير { عَجِبْتَ } أي كان أمرهم عجباً في حال استسخارهم بك في استفتائهم . وجيء بالمضارع في { يسخرون } لإِفادة تجدد السخرية ، وأنهم لا يرعوُون عنها .

والسخرية : الاستهزاء ، وتقدمت في قوله تعالى : { فحاق بالذين سخروا منهم } في سورة [ الأنعام : 10 ] .


[347]: - رواه البخاري في مناقب الأنصار وفيه قصة.
[348]: - رواه البخاري في الجهاد.