جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{بَلۡ عَجِبۡتَ وَيَسۡخَرُونَ} (12)

{ بل عجبت{[4273]} } : يا محمد من إنكارهم للبعث ، أو من قدرة الله على هذه الخلائق { ويسخرون } : منك ومن تعجبك ، وقراءة عجبت{[4274]} بضم التاء بمعنى عجبت{[4275]} من إنكارهم البعث ، أو بلغ كمال قدرتي أني تعجبت منه ، والعجب من الله تعظم تلك الحالة ،


[4273]:أخرج أبو عبيد، وعبد ابن حميد، وابن أبي حاتم وصححه عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه كان يقرأ {بل عجبت ويسخرون} بالرفع وأخرج أبو عبيد وعبد ابن حميد وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق الأعمش عن شقيق ابن سلمة عن شريح أنه كان يقرأ هذه الآية {بل عجبت ويسخرون} بالنصب ويقول: إن الله لا يعجب من الشيء، إنما يعجب من لا يعلم. قال الأعمش: فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي، فقال: إن شريكا كان معجبا برأيه وعبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: كان أعلم منه كان يقرؤها {بل عجبت}/ 12 در منثور.
[4274]:على قراءة الضم هو عجب من كفرهم مع وضوح الأدلة وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- للذي آثر هو وامرأته لضيفهما: (لقد عجب الله من صنيعكما البارحة) وفي لفظ في الصحيح (لقد ضحك لله الليلة) [جزء من حديث أخرجاه في الصحيحين] وقال: ''إن الرب ليعجب من عبده إذا قال رب اغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنا'' [صحيح، أخرجه أبو داود والترمذي، وانظر صحيح سنن أبي داود (2267)] وقال: (عجب ربك من شاب ليست له صبوة) [ضعيف، أخرجه أحمد والطبراني، وانظر ضعيف الجامع (1658)] وقال: (عجب ربك من راعي غنم على رأس جبل شظية يؤذن ويقيم فيقول الله: انظروا إلى عبدي) [صحيح، انظر الصحيحة، والإرواء] أو كما قال. (كل هذا نقله شيخ الإسلام أحمد ابن عبد الحليم ابن عبد السلام في بعض رسائله وذكر أن قول القائل التعجب استعظام للمتعجب منه. فيقال: نعم وقد يكون مقرونا بجهل بسبب المستعجب منه، وقد يكون لما خرج عن نظائره، والله تعالى بكل شيء عليم، فلا يجوز عليه أن لا يعلم سبب ما يعجب منه، بل يتعجب منه لخروجه عن نظائره تعظيما له، والله تعالى يعظم ما هو عظيم إما لعظمه أو لعظمته فإنه وصف بعض الخير بأنه عظيم، وصف بعض الشر بأنه عظيم، فقال تعالى: {رب العرش العظيم} [التوبة: 129] وقال: {ولقد أتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم} (الحجر: 87) وقال: {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما} (النساء: 66) وقال: {لولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم هذا سبحانك هذا بهتان عظيم} (النور: 16) وقال: {إن الشرك لظلم عظيم} (لقمان: 13) وقول القائل: عن هذه انفعالات نفسانية، فيقال: كل ما سوى الله مخلوق منفعل، ونحن وذواتنا منفعلة، فكونها انفعالات فينا انفعالات فينا لغيرنا نعجز عن دفعها، لا يوجب أن يكون الله منفعلا لها عاجزا عن دفعها فإن كل ما يجري في الوجود، فإنه بمشيئته وقدرته لا يكون إلا ما يشاء، ولا يشاء إلا ما يكون له الملك وله الحمد/ 12 منه.
[4275]:وفي الوجيز والعجب روعة يعتري الإنسان عند استعظام الشيء والله تعالى منزه عن الروعة، فيحمل على الاستعظام من غير روعة، انتهى، وكذا في المنهية/ 12.