تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{بَلۡ عَجِبۡتَ وَيَسۡخَرُونَ} (12)

الآية 12 وقوله تعالى : { بل عجبت ويسخرون } بالنصب يحتمل وجوها :

أحدها : عجبت منهم إنكارهم ما أنكروا بعد كثرة قيام الآيات والحجج عليهم في ذلك ، وهم ينكرون ، ويسخرون .

[ والثاني ]{[17656]} : يقول : عجبت ، ويسخرون لما أنك بزعمهم لعظيم ما ينزل بهم من العذاب والشدائد وما يستقبلهم من الأمور المهمة ، وهم يسخرون ، والله أعلم .

[ والثالث ]{[17657]} : يقول : بل عجبت لما تدعوهم أنت إلى ما به نجاتهم وفلاحهم ، وهم يسخرون ، ونحو ذلك يحتمل ، والله أعلم ، بما كان يعجبه .

وفي بعض الحروف : بل عجبت بالرفع{[17658]} ، وكذلك ذكر عن ابن مسعود ، رضي الله عنه أنه كان يقرأ بالرفع ، بل عجبت . فإن ثبت ذلك ، وصحّت إضافة العجب إلى الله ، فهو الشاهد ، وإن كان لظهور عظيم ما قالوا خفيا عليهم مستترا ، عند ذلك يقع لهم العجب ، فهو في الله عز وجل وإن كان لا يحتمل أن يخفى عليه شيء ، فذلك لعظيم ما كان منهم من الإنكار من قدرته على الإنشاء والجحود في ذلك ، فيكون ما ذكر من حرف التعجب منه كناية عن الإنكار والدفع لقولهم . وذلك كما أضاف الامتحان إلى نفسه ، وإن كان في الشاهد لا يستعمل إلا في استظهار ما خفي عليهم ، واستتر منهم ، فهو من الله يخرّج على الأمر والنهي ، أعني الامتحان . وإن كان في الشاهد بين الخلق فلا يكون إلا لما ذكرنا .

فعلى ذلك جائز إضافة العجب إلى الله على إرادة الإنكار منه عليهم والدفع لقولهم ، والله أعلم .

ومن الناس من أنكر هذه القراءة ، وقال : لا تجوز إضافة التعجّب إلى الله عز وجل لما هو لم يزل عالما بما كان ، ويكون ، وهو في الشاهد إنما يكون لظهور عظيم من الأمر قد جهلوه . لكن هذا ، وإن كان في الخلق ما ذكر ، فهو من الله على غير ذلك على ما ذكرنا من إضافة الامتحان إليه والابتلاء . وإن كان بين الخلق لما ذكرنا .

وقد ظهرت إضافة [ العجب ]{[17659]} إليه بقوله : { وإن عجبت فعجبٌ قولهم } [ الرعد : 5 ] وهو يخرّج على الإنكار عليهم والرّد على تعظيم إنكار ما قالوا ، وأنكروا ، والله أعلم .

ومن الناس من قال في قوله عز وجل : { بل عجبت } في ما أضافه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي عجبت من هذا القرآن حين أعطاك إياه ، ويسخر منه أولئك الكفرة .

ويحتمل معنى [ آخر ]{[17660]} وهو أن يقال : إن قوله عز وجل : { بل عجبت ويسخرون } أي جعلت ما أنزلت عليك من القرآن والوحي أمرا عجبا ، أو أن يقال : كان إنكارهم رسالتك وتكذيبهم الآيات أمرا عجبا ، وهم يسخرون ، ونحوه ، والله أعلم .


[17656]:في الأصل وم: أو.
[17657]:في الأصل وم: أو.
[17658]:انظر معجم القراءات القرآنية ح5/231.
[17659]:من م، ساقطة من الأصل
[17660]:. ساقطة من الأصل و م.