روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{بَلۡ عَجِبۡتَ وَيَسۡخَرُونَ} (12)

{ بَلْ عَجِبْتَ } خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم وجوز أن يكون لكل من يقبله . { *وبل } للاضراب إما عن مقدر يشعر به { فاستفتهم } [ الصافات : 11 ] الخ أي هم لا يقرون ولا يجيبون بما هو الحق بل مثلك ممن يذعن ويتعجب من تلك الدلائل أو عن الأمر بالاستفتاء أي لا تستفتهم فإنهم معاندون لا ينفع فيهم الاستفتاء ولا يتعجبون من تلك الدلائل بل مثلك ممن يتعجب منها { وَيَسْخُرُونَ } أي وهم يسخرون منك ومن تعجبك ومما تريهم من الآيات ، وجوز أن يكون المعنى بل عجبت من إنكارهم البعث مع هذه الآيات وهم يسخرون من أمر البعث ، واختير أن يكون المعنى بل عجبت من قدرة الله تعالى على هذه الخلائق العظيمة وإنكارهم البعث وهم يسخرون من تعجبك وتقريرك للبعث ، وزعم بعضهم أن المراد بمن خلقنا الأمم الماضية وليس بشيء إذ لم يسبق لهذه الأمم ذكر وإنما سبق الذكر للملائكة عليهم السلام وللسموات والأرض وما سمعت مع أن حرف التعقيب مما يدل على خلافه ، ومن قال كصاحب الفرائد عليه جمهور المفسرين سوى الإمام ووجهه بأنه لما احتج عليهم بما هم مقرون به من كونه رب السموات والأرض ورب المشارق وألزمهم بذلك وقابلوه بالعناد قيل لهم : فانتظروا الإهلاك كمن قبلكم لأنهكم لستم أشد خلقاً منهم فوضع موضعه { فاستفتهم أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً } [ الصافات : 11 ] وقوله تعالى : { إِنَّا خلقناهم } [ الصافات : 11 ] تعليل لأنهم ليسوا أشد خلقاً أو دليل لاستكبارهم المنتج للعناد . وأيده بدلالة الإضراب واستبعاد البعث بعده لدلالته على أنه غير متعلق بما قبل الاضراب فقد ذهب عليه أن اللفظ خفي الدلالة على ما ذكر من العناد واستحقاق الاهلاك كسالف الأمم ؛ وتعليل نفي الأشدية بما علل ليس بشيء لوضوح أن السابقين أشد في ذلك ، وكم من ذلك في الكتاب العزيز ، وأما الاضراب فعن الاستفتاء إلى أن مثلك ممن يذعن ويتعجب من تلك الدلائل ولذا عطف عليه { وَيَسْخُرُونَ } وجعل ما أنكروه من البعث من بعض مساخرهم قاله صاحب الكشف فلا تغفل . وقرأ حمزة . والكسائي . وابن سعدان . وابن مقسم { عَجِبْتَ } بتاء المتكلم ورويت عن علي كرم الله تعالى وجهه . وابن عباس . وابن مسعود . والنخعي . وابن وثاب . وطلحة وشقيق . والأعمش .

وأنكر شريح القاضي هذه القراءة وقال : إن الله تعالى لا يعجب من شيء وإنما يعجب من لا يعلم ، وانكار هذا القاضي مما أفتى بعدم قبوله لأنه في مقابل بينة متواترة ، وقد جاء أيضاً في الخبر عجب ربكم من الكم وقنوطكم .

وأولت القراءة بأن ذلك من باب الفرض أي لو كان العجب مما يجوز عليّ لعجبت من هذه الحال أو التخييل فيجعل تعالى كأنه لانكاره لحالهم يعدها أمراً غريباً ثم يثبت له سبحانه العجب منها ، فعلى الأول تكون الاستعارة تخييلية تمثيلية كما في قولهم : قال الحائط للوتد لم تشقني فقال سل من يدقني ، وعلى الثاني تكون مكنية وتخييلية كما في نحن لسان الحال ناطق بكذا والمشهور في أمثاله الحمل على اللازم فيكون مجازاً مرسلاً فيحمل العجب على الاستعظام وهو رؤية الشيء عظيماً أي بالغا الغاية في الحسن أو القبح ، والمراد هنا رؤية ما هم عليه بالغا الغاية في القبح ، وليس استعظام الشيء مسبوقاً بانفعال يحصل في الروع عن مشاهدة أمر غريب كما توهم ليقال : إن التأويل المذكور لا يحسم مادة الاشكال .

وقال أبو حيان : يؤول على أنه صفة فعل يظهرها الله تعالى في صفة المتعجب منه من تعظيم أو تحقير حتى يصير الناس متعجبين منه فالمعنى بل عجبت من ضلالتهم وسوء نحلتهم وجعلتها للناظرين فيها وفيما اقترن بها من شرعي وهداي متعجباً ، وقال مكي . وعلي بن سليمان : ضمير { عَجِبْتَ } للنبي عليه الصلاة والسلام والكلام بتقدير القول أي قب بل عجبت ، وعندي لو قدر القول بعد بل كان أحسن أي بل قل عجبت ، والذي يقتضيه كلام السلف ان العجب فينا انفعال يحصل للنفس عند الجهل بالسبب ولذا قيل : إذ ظهر السبب بطل العجب وهو في الله تعالى بمعنى يليق لذاته عز وجل هو سبحانه أعلم به فلا يعينون المراد والخلف يعينون .