فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{بَلۡ عَجِبۡتَ وَيَسۡخَرُونَ} (12)

{ بل عجبت }{[3903]} إضراب عن استفتائهم واستخبارهم ، بسبب تأبيهم عن الحق ومكابرتهم فإنهم معاندون لا ينفع فيهم الاستفتاء ولا يتعجبون من تلك الدلائل ، بل مثلك ممن يتعجب منها { ويسخرون( 12 ) } أي وهم يسخرون منك ، ومن تعجبك ، ومما نريهم من الآيات-قال قتادة : عجب محمد صلى الله عليه وسلم ، وسخر ضلال بني آدم ، عجب محمد صلى الله عليه وسلم من هذا القرآن حين أعطيه ، وسخر منه أهل الضلالة . اه .


[3903]:ذهب جمهور من المفسرين، منهم الطبري والقرطبي والألوسي إلى أن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قرأ:{بل عجبت} بضم التاء، وقالوا:إن المعنى على هذه القراءة: يجوز أن يكون إخبار الله عن نفسه بالعجب محمولا على أنه أظهر من أمره وسخطه على من كفر به ما يقوم مقام العجب من المخلوقين، وقال الفراء: العجب إن أسند إلى الله عز وجل فليس معناه من الله كمعناه من العباد، وكذلك قوله: {الله يستهزئ بهم} ليس من الله كمعناه من العباد اهـ وقال أبو حيان: يؤول على أنه صفة فعل يظهرها الله تعالى في صفة المتعجب منه من تعظيم أو تحقير، حتى يصير الناس متعجبين منه، فالمعنى: بل عجبت من ضلالتهم وسوء نحلتهم، وجعلتها للناظرين فيها وفيما اقترن بها من شرعي وهداي متعجبا اهـ ومما أورد الألوسي: والذي يقتضيه كلام السلف أن العجب فينا انفعال يحصل للنفس عند الجهل بالسبب.ولذا قيل: إذا ظهر السبب بطل العجب وهو في الله تعالى بمعنى يليق لذاته عز وجل هو سبحانه أعلم به، فلا يعينون المراد، والخلف يعينون.اهـ ويقول أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: عامة قراء الكوفة {بل عجبت ويسخرون} بضم التاء من عجبت، بمعنى بل عظم عندي وكبر اتخاذهم لي شريكا، وتكذيبهم تنزيلي، وهم يسخرون، وقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة وبعض قراء الكوفة: {بل عجبت} بفتح التاء، بل عجبت أنت يا محمد ويسخرون من هذا القرآن، والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان..فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، فإن قال قائل: وكيف يكون مصيبا القارئ بهما مع اختلاف معنييهما؟ قيل: إنهما وإن اختلف معنياهما فكل واحد من معنييه صحيح، قد عجب محمد مما أعطاه الله من الفضل، وسخر منه أهل الشرك بالله، وقد عجب ربنا من عظيم ما قاله المشركون في الله، وسخر المشركون بما قالوه، فإن قال: أكان التنزيل بإحداهما أو بكلتيهما؟ قيل: التنزيل بكلتيهما، فإن قال: وكيف يكون تنزيل حرف مرتين؟ قيل: إنه لم ينزل مرتين، إنما أنزل مرة، ولكنه أمر صلى الله عليه وسلم أن يقرأ بالقراءتين كلتيهما.اهـ.