فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{بَلۡ عَجِبۡتَ وَيَسۡخَرُونَ} (12)

ثم أضرب سبحانه عن كلام السابق فقال :

{ بَلْ عَجِبْتَ } يا محمد من قدرة الله سبحانه أو من تكذيبهم إياك ، قرأ الجمهور بفتح التاء من عجبت على الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، وقرئ بضمها ، وقال الفراء : قرأها الناس بنصب التاء ورفعها والرفع أحب إلي لأنها عن علي وعبد الله وابن عباس ، قال : والعجب إن أسند إلى الله فليس معناه من الله كمعناه من العباد .

قال الهروي : قال بعض الأئمة معنى بل عجبت بل جازيتهم على عجبهم لأن الله أخبر عنهم في غير موضع بالتعجب من الخلق ، كما قال : { وعجبوا أن جاءهم منذر منهم } وقالوا : { إن هذا لشيء عجاب } { أكان للناس عجبا أن أو حينا إلى رجل منهم ؟ } وقال علي بن سليمان : معنى القراءتين واحد ، والتقدير : قل يا محمد : بل عجبت لأن النبي صلى الله عليه وسلم مخاطب بالقرآن ، قال النحاس : وهذا قول حسن ، وإضمار القول كثير ، وقيل : إن معنى الإخبار من الله سبحانه عن نفسه بالعجب أنه ظهر من أمره وسخطه على من كفر به ما يقوم مقام العجب من المخلوقين ، قال الهروي : ويقال معنى عجب ربكم أي رضى ربكم وأثاب ، فسماه عجبا ، وليس بعجب في الحقيقة فيكون معنى عجبت هنا عظم فعلهم عندي . وحكى النقاش : أن معنى بل عجبت بل أنكرت .

قال الحسن بن الفضل : التعجب من الله إنكار الشيء وتعظيمه ، وهو لغة العرب ، وقيل : معناه الإنكار والذم ، وسئل الجنيد رحمه الله عن هذه الآية فقال : إن الله لا يعجب من شيء ولكن وافق رسوله ولما عجب رسوله قال : { وإن تعجب فعجب قولهم } ، أي هو كما تقوله ، وقيل : معناه أنه بلغ في كمال قدرته وكثرة مخلوقاته إلى حيث عجب منها{[1431]} .

{ و } هؤلاء لجهلهم { يَسْخَرُونَ } منها والواو للحال ، أي والحال ، أنهم يسخرون أو للاستئناف والمعنى : ويسخرون منك بسبب تعجبك ؛ أو بما تقوله من إثبات المعاد


[1431]:روى أحمد في مسنده 4/ 151: أن الله عز وجل ليعجب من الشاب ليس له صبوه.