معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ثُمَّ أَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودٗا لَّمۡ تَرَوۡهَا وَعَذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ وَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (26)

قوله تعالى : { ثم أنزل الله } بعد الهزيمة ، " سكينته " ، يعني : الأمنة والطمأنينة ، وهي فعيلة من السكون على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها " ، يعني : الملائكة . قيل : لا للقتال ، ولكن لتجبين الكفار وتشجيع المسلمين ، لأنه يروى : أن الملائكة لم يقاتلوا إلا يوم بدر ،

قوله تعالى : { وعذب الذين كفروا } ، بالقتل والأسر وسبي العيال وسلب الأموال .

قوله تعالى : { وذلك جزاء الكافرين }

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ثُمَّ أَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودٗا لَّمۡ تَرَوۡهَا وَعَذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ وَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (26)

{ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ } والسكينة ما يجعله اللّه في القلوب وقت القلاقل والزلازل والمفظعات ، مما يثبتها ، ويسكنها ويجعلها مطمئنة ، وهي من نعم اللّه العظيمة على العباد .

{ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا } وهم الملائكة ، أنزلهم اللّه معونة للمسلمين يوم حنين ، يثبتونهم ، ويبشرونهم بالنصر .

{ وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا } بالهزيمة والقتل ، واستيلاء المسلمين على نسائهم وأولادهم وأموالهم .

{ وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ } يعذبهم اللّه في الدنيا ، ثم يردهم في الآخرة إلى عذاب غليظ .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ثُمَّ أَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودٗا لَّمۡ تَرَوۡهَا وَعَذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ وَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (26)

( ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ) . .

وكأنما السكينة رداء ينزل فيثبت القلوب الطائرة ويهدئ الإنفعالات الثائرة .

( وأنزل جنودا لم تروها ) . .

فلا نعلم ماهيتها وطبيعتها . . وما يعلم جنود ربك إلا هو . .

( وعذب الذين كفروا ) .

بالقتل والأسر والسلب والهزيمة :

( وذلك جزاء الكافرين ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ثُمَّ أَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودٗا لَّمۡ تَرَوۡهَا وَعَذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ وَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (26)

{ ثُمَّ أَنزلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ } أي : طمأنينته وثباته على رسوله ، ( وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) أي : الذين معه ، ( وَأَنزلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا ) وهم الملائكة ، كما قال الإمام أبو جعفر بن جرير :

[ حدثنا القاسم قال ]{[13338]} حدثني الحسن بن عرفة قال : حدثني المعتمر بن سليمان ، عن عوف - هو ابن أبي جميلة الأعرابي - قال : سمعت عبد الرحمن مولى ابن بُرْثُن ، حدثني رجل كان مع المشركين يوم حنين قال : لما التقينا نحن وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين{[13339]} لم يقوموا لنا حَلَب شاة - قال : فلما كشفناهم جعلنا نسوقهم في آثارهم ، حتى انتهينا إلى صاحب البغلة البيضاء ، فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال : فتلقانا عنده رجال بيض حسان الوجوه ، فقالوا لنا : شاهت الوجوه ، ارجعوا . قال : فانهزمنا ، وركبوا أكتافنا ، فكانت إياها .

وقال الحافظ أبو بكر البيهقي : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثني محمد بن أحمد بن بَالُويَه ، حدثنا إسحاق بن الحسن الحربي{[13340]} حدثنا عفان بن مسلم ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا الحارث بن حَصِيرة ، حدثنا القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبيه قال : قال ابن مسعود ، رضي الله عنه : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حُنين ، فولى عنه الناس ، وبقيتُ معه في ثمانين رجلا من المهاجرين والأنصار ، قدمنا ولم نولهم الدبر ، وهم الذين أنزل الله عليهم السكينة . قال : ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته يمضي قُدُما ، فحادَت بغلته ، فمال عن السرج ، فقلت : ارتفع رفعك الله . قال : " ناولني كفًا من التراب " . فناولته ، قال : فضرب به وجوههم ، فامتلأت أعينهم ترابًا ، قال : " أين المهاجرون{[13341]} والأنصار ؟ " قلت : هم هناك . قال : " اهتف بهم " . فهتفت بهم ، فجاءوا وسيوفهم بأيمانهم ، كأنها{[13342]} الشهب ، وولى المشركون أدبارهم .

ورواه الإمام أحمد في مسنده عن عفان ، به نحوه{[13343]}

وقال الوليد بن مسلم : حدثني عبد الله بن المبارك ، عن أبي بكر الهُذلي ، عن عِكْرِمة مولى ابن عباس ، عن شيبة بن عثمان قال : لما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قد عَرى ، ذكرت أبي وعمي وقتل علي وحمزة إياهما ، فقلت : اليوم أدرك ثأري منه - قال : فذهبت لأجيئه عن يمينه ، فإذا أنا بالعباس بن عبد المطلب قائمًا ، عليه درع بيضاء كأنها فضة ، يكشف عنها العجاج ، فقلت : عَمُّه ولن يخذله - قال : فجئته{[13344]} عن يساره ، فإذا أنا بأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، فقلت : ابن عمه ولن يخذله . فجئته من خلفه ، فلم يبق إلا أن أسَوّره سورة بالسيف ، إذ رفع لي شُوَاظ من نار بيني وبينه ، كأنه برق ، فخفت أن تَمْحَشَني ، فوضعت يدي على بصري ومشيت القهقري ، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " يا شيبَ ، يا شيب{[13345]} ادن مني{[13346]} اللهم أذهب عنه الشيطان " . قال : فرفعت إليه بصري ، ولهو أحب إلي من سمعي وبصري ، فقال : " يا شيب{[13347]}قاتل الكفار " .

رواه البيهقي من حديث الوليد ، فذكره{[13348]} ثم روى من حديث أيوب بن جابر ، عن صدقة بن سعيد ، عن مصعب بن شيبة عن أبيه قال : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ، والله ما أخرجني إسلام ولا معرفة به ، ولكني أبيت أن تظهر هوازن على قريش ، فقلت وأنا واقف معه : يا رسول الله ، إني أرى خيلا بُلقا ، فقال : " يا شيبة ، إنه لا يراها إلا كافر " . فضرب بيده في{[13349]} صدري ، ثم قال : " اللهم ، اهد شيبة " ، ثم ضربها الثانية ، ثم قال : " اللهم ، اهد شيبة " ، ثم ضربها الثالثة ثم قال : " اللهم اهد شيبة " . قال : فوالله ما رفع يده عن صدري في الثالثة حتى ما كان أحد من خلق الله أحب إليَّ منه ، وذكر تمام الحديث ، في التقاء الناس وانهزام المسلمين ونداء العباس واستنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى هزم الله المشركين{[13350]}

قال محمد بن إسحاق : حدثني والدي إسحاق بن يَسَار ، عمن حدثه ، عن جُبَير بن مطعم ، رضي الله عنه ، قال : إنا لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ، والناس يقتتلون ، إذ نظرت إلى مثل البِجَاد الأسود يهوي من السماء ، حتى وقع بيننا وبين القوم ، فإذا نمل منثور قد ملأ الوادي ، فلم يكن إلا هزيمة القوم ، فما كنا نشك أنها الملائكة .

وقال سعيد بن السائب بن يسار ، عن أبيه قال : سمعت يزيد بن عامر السُّوَائي - وكان شهد حنينا مع المشركين ثم أسلم بعد - فكنا نسأله عن الرعب الذي ألقى الله في قلوب المشركين يوم حنين ، فكان يأخذ الحصاة فيرمي بها في الطَّسْت{[13351]} فيطنّ ، فيقول{[13352]} كنا نجد في أجوافنا مثل هذا .

وقد تقدم له شاهد من حديث يزيد بن أبي أسيد{[13353]} فالله أعلم .

وفي صحيح مسلم ، عن محمد بن رافع ، عن عبد الرزاق أنبأنا مَعْمَر ، عن هَمَّام قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نصرت بالرعب ، وأوتيت جوامع الكلم " {[13354]}

ولهذا قال تعالى : ( ثُمَّ أَنزلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ) {[13355]}


[13338]:- زيادة من ت ، أ ، والطبري.
[13339]:- في ت : "يوم حنين في آثارهم".
[13340]:- في ك : "الجرمي".
[13341]:- في ت : "المهاجرين" وهو خطأ.
[13342]:- في ت : "كأنهم".
[13343]:- دلائل النبوة (5/142) والمسند (1/454).
[13344]:- في أ : "ثم جئته".
[13345]:- في أ : "يا شبيب يا شبيب".
[13346]:- في د : "ادن مني يا شيب".
[13347]:- في أ : "يا شبيب".
[13348]:- دلائل النبوة للبيهقي (5/145).
[13349]:- في ت ، د ، ك ، أ : "يده على".
[13350]:- دلائل النبوة للبيهقي (5/146).
[13351]:- في ت : "الطشت".
[13352]:- في ت : "ثم يقول".
[13353]:- في ت : "أسد".
[13354]:- صحيح مسلم برقم (523).
[13355]:- في ك ، أ : "فأنزل" وهو خطأ.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ثُمَّ أَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودٗا لَّمۡ تَرَوۡهَا وَعَذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ وَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (26)

{ ثم أنزل الله سكينته } رحمته التي سكنوا بها وأمنوا . { على رسوله وعلى المؤمنين } الذين انهزموا وإعادة الجار للتنبيه على اختلاف حاليهما . وقيل هم الذين ثبتوا مع الرسول عليه الصلاة والسلام ولم يفروا . { وأنزل جنودا لم تروها } بأعينكم أي الملائكة وكانوا خمسة آلاف أو ثمانية أو ستة عشر على اختلاف الأقوال . { وعذّب الذين كفروا } بالقتل والأسر والسبي . { وذلك جزاء الكافرين } أي ما فعل بهم جزاء كفرهم في الدنيا .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ثُمَّ أَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودٗا لَّمۡ تَرَوۡهَا وَعَذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ وَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (26)

عطف على قوله : { ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم } [ التوبة : 25 ] .

و { ثم } دالّة على التراخي الرتبي فإنّ نزول السكينة ونزول الملائكة أعظم من النصر الأول يوم حنين ، على أنّ التراخي الزمني مراد ؛ تنزيلاً لعظم الشدة وهول المصيبة منزلة طول مدّتها ، فإن أزمان الشدّة تخيّل طويلة وإن قَصُرت .

والسكينة : الثبات واطمئنان النفس وقد تقدّم بيانها عند قوله تعالى : { أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم } في سورة البقرة ( 248 ) ، وتعليقها بإنزال الله ، وإضافتها إلى ضميره : تنويه بشأنها وبركتها ، وإشارة إلى أنّها سكينة خارقة للعادة ليست لها أسباب ومقدّمات ظاهرة ، وإنّما حصلت بمحض تقدير الله وتكوينه أُنُفاً كرامةً لنبيئه وإجابة لندائِه الناسَ ، ولذلك قدّم ذكر الرسول قبل ذكر المؤمنين .

وإعادة حرف { على } بعد حرف العطف : تنبيه على تجديد تعليق الفعل بالمجرور الثاني للإيماء إلى التفاوت بين السكينتين : فسكينة الرسول عليه الصلاة والسلام سكينة اطمئنان على المسلمين الذين معه وثقة بالنصر ، وسكينة المؤمنين سكينة ثبات وشجاعة بعد الجزع والخوف .

والجنود جمع جند . والجند اسم جَمع لا واحد له من لفظه ، وهو الجماعة المهيّئة للحرب ، وواحدهُ بياء النسب : جُندي ، وقد تقدّم عند قوله تعالى : { فلما فصل طالوت بالجنود } في سورة البقرة ( 249 ) . وقد يطلق الجند على الأمّة العظيمة ذات القوة ، كما في قوله تعالى : { هل أتاك حديث الجنود فرعون وثمود } في سورة البروج ( 17 ، 18 ) والمراد بالجنود هنا جماعات من الملائكة موكّلون بهزيمة المشركين كما دلّ عليه فعل أنزل ، أي أرسلها الله لنصرة المؤمنين وإلقاء الرعب في قلوب المشركين ، ولذلك قال : { لم تروها } ولكون الملائكة ملائكةَ النصر أطلق عليها اسم الجنود .

وتعذيبه الذين كفروا : هو تعذيب القتل والأسر والسبي .

والإشارة ب { وذلك جزاء الكافرين } إلى العذاب المأخوذ من { عَذَّب .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{ثُمَّ أَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودٗا لَّمۡ تَرَوۡهَا وَعَذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ وَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (26)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

قوله: {ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها}، يعني الملائكة، {وعذب الذين كفروا} بالقتل والهزيمة، {وذلك} العذاب {جزاء الكافرين}.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ثم من بعد ما ضاقت عليكم الأرض بما رَحُبت وتَوْليَتِكم الأعداء أدباركم، كشف الله نازل البلاء عنكم، بإنزاله السكينة وهي الأمنة والطمأنينة عليكم. وقد بيّنا أنها فعيلة من السكون فيما مضى من كتابنا هذا قبل بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.

"وأنْزَلَ جُنُودا لَمْ تَرَوْها" وهي الملائكة التي ذُكِرت في الأخبار التي قد مضى ذكرها. "وَعَذّبَ الّذِينَ كَفَرُوا" يقول: وعذّب الله الذين جحدوا وحدانيته ورسالة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالقتل وسبي الأهلين والذراري وسلب الأموال والذلة. "وذلكَ جزاءُ الكافرينَ" يقول: هذا الذي فعلنا بهم من القتل والسبي جزاء الكافرين، يقول: هو ثواب أهل جحود وحدانيته ورسالة رسوله...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

السكينةُ: ثَلَجُ القلب عند جريان حُكْم الربِّ بنعت الطمأنينة، وخمودُ آثار البشرية بالكلية، والرضاءُ بالبادي من الغيب من غير معارضةِ اختيارٍ. والسكينة المنزلةُ على {المُؤْمِنِينَ} خمودُهم تحت جريان ما وَرَدَ من الغَيْبِ من غير كراهةِ بنوازع البشرية.

الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :

{ثم أنزل الله سكينته} وهو ما يسكن إليه القلب من لطف الله ورحمته...

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

" أي أنزل عليهم ما يسكنهم ويذهب خوفهم، حتى اجترأوا على قتال المشركين بعد أن ولوا.

لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن 741 هـ :

إنما كان إنزال السكينة على المؤمنين لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ساكن القلب ليس عنده اضطراب كما حصل للمؤمنين من الهزيمة واضطراب في هذه الواقعة ثم من الله عليهم بإنزال السكينة عليهم حتى رجعوا إلى قتال عدوهم بعد الهزيمة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت لم يفر {وأنزل جنوداً لم تروها} يعني الملائكة لتثبيت المؤمنين وتشجيعهم وتخذيل المشركين وتجبينهم لا للقتال لأن الملائكة لم تقاتل إلا يوم بدر...

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

{ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين} السكينة اسم للحالة والهيأة النفسية الحاصلة من السكون والطمأنينة، وهي ضد الاضطراب والانزعاج، وتطلق كما في المصباح على الرزانة والمهابة والوقار. والمعنى أن الله تعالى أفرغ من سماء عزته وقدرته سكينته اللدنية على رسوله بعد أن عرض له ما عرض من الأسف والحزن على أصحابه عند وقوع الهزيمة لهم، على أنه ثبت كالطود الراسي نفسا، ولم يزدد إلا شجاعة وإقداما وبأسا، وعلى المؤمنين الذين ثبتوا معه وأحاطوا ببغلته- وقليل ما هم في ذلك الجيش اللهام- كما يعلم هذا وذاك من الروايات الصحيحة الآتية، ثم على سائر المؤمنين الصادقين فأذهب روعهم، وأزال حيرتهم واضطرابهم، وعاد إليهم ما كان زال أو زلزل من ثباتهم وشجاعتهم، ولا سيما عند ما سمعوا نداءه صلى الله عليه وسلم ونداء العباس يدعوهم إلى نبيهم بأمره كما يأتي، وإنما قال: (وعلى المؤمنين) ولم يقل وعليكم لأن الخطاب للجماعة، وفيهم بقية من المنافقين وضعفاء الإيمان كما تقدم، وستأتي شواهده في الروايات الصحيحة. فيا لله العجب من هذه الدقة في بلاغة القرآن.

{وأنزل جنودا لم تروها} أي وأنزل مع هذه السكينة جنودا روحانية من الملائكة لم تروها بأبصاركم، وإنما وجدتم أثرها في قلوبكم، بما عاد إليها من ثبات الجأش، وشدة البأس.

{وعذّب الذين كفروا} بالقتل والأسر والسبي، وذلك منتهى الغلب والخزي.

{وذلك جزاء الكافرين} في الدنيا بكفرهم ما داموا يستحبون الكفر على الإيمان ويعادون أهله ويقاتلونهم عليه، كما وعدكم فيمن بقي منهم بقوله من هذا السياق أو البلاغ {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم} [التوبة:14] الآية. ويدخل في هذا الجزاء من كان حاله مثل حال أولئك الكافرين في قتال من كان على هدي أولئك المؤمنين إلى يوم الدين.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وكأنما السكينة رداء ينزل فيثبت القلوب الطائرة ويهدئ الانفعالات الثائرة. (وأنزل جنودا لم تروها).. فلا نعلم ماهيتها وطبيعتها.. وما يعلم جنود ربك إلا هو.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

عطف على قوله: {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم} [التوبة: 25].

و {ثم} دالّة على التراخي الرتبي فإنّ نزول السكينة ونزول الملائكة أعظم من النصر الأول يوم حنين، على أنّ التراخي الزمني مراد؛ تنزيلاً لعظم الشدة وهول المصيبة منزلة طول مدّتها، فإن أزمان الشدّة تخيّل طويلة وإن قَصُرت.

والسكينة: الثبات واطمئنان النفس وقد تقدّم بيانها عند قوله تعالى: {أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم} في سورة البقرة (248)، وتعليقها بإنزال الله، وإضافتها إلى ضميره: تنويه بشأنها وبركتها، وإشارة إلى أنّها سكينة خارقة للعادة ليست لها أسباب ومقدّمات ظاهرة، وإنّما حصلت بمحض تقدير الله وتكوينه أُنُفاً كرامةً لنبيئه وإجابة لندائِه الناسَ، ولذلك قدّم ذكر الرسول قبل ذكر المؤمنين.

وإعادة حرف {على} بعد حرف العطف: تنبيه على تجديد تعليق الفعل بالمجرور الثاني للإيماء إلى التفاوت بين السكينتين: فسكينة الرسول عليه الصلاة والسلام سكينة اطمئنان على المسلمين الذين معه وثقة بالنصر، وسكينة المؤمنين سكينة ثبات وشجاعة بعد الجزع والخوف.

والجنود جمع جند. والجند اسم جَمع لا واحد له من لفظه، وهو الجماعة المهيّئة للحرب، وواحدهُ بياء النسب: جُندي، وقد تقدّم عند قوله تعالى: {فلما فصل طالوت بالجنود} في سورة البقرة (249). وقد يطلق الجند على الأمّة العظيمة ذات القوة، كما في قوله تعالى: {هل أتاك حديث الجنود فرعون وثمود} في سورة البروج (17، 18) والمراد بالجنود هنا جماعات من الملائكة موكّلون بهزيمة المشركين كما دلّ عليه فعل أنزل، أي أرسلها الله لنصرة المؤمنين وإلقاء الرعب في قلوب المشركين، ولذلك قال: {لم تروها} ولكون الملائكة ملائكةَ النصر أطلق عليها اسم الجنود.

وتعذيبه الذين كفروا: هو تعذيب القتل والأسر والسبي.

والإشارة ب {وذلك جزاء الكافرين} إلى العذاب المأخوذ من {عَذَّب.