قوله تعالى : { ثم أنتم هؤلاء } . يعني : يا هؤلاء ، وهؤلاء للتنبيه .
قوله تعالى : { تقتلون أنفسكم } . أي يقتل بعضكم بعضاً .
قوله تعالى : { وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم } . بتشديد الظاء أي تتظاهرون أدغمت التاء في الظاء ، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بتخفيف الظاء فحذفوا تاء التفاعل وأبقوا تاء الخطاب كقوله تعالى : ( ولا تعاونوا ) معناهما جميعاً : تتعاونون ، والظهير : العون .
قوله تعالى : { بالإثم والعدوان } . المعصية والظلم .
قوله تعالى : { وإن يأتوكم أسارى } . قرأ حمزة : أسرى ، وهما جمع أسير ، ومعناهما واحد .
قوله تعالى : { تفادوهم } . بالمال وتنقذوهم وقرأ أهل المدينة وعاصم والكسائي ويعقوب تفادوهم أي تبادلوهم ، أراد : مفاداة الأسير بالأسير ، وقيل : معنى القراءتين واحد . ومعنى الآية قال السدي : إن الله تعالى أخذ على بني إسرائيل في التوراة أن لا يقتل بعضهم بعضاً ، ولا يخرج بعضهم بعضاً من ديارهم ، وأيما عبد أو أمة وجدتموه من بني إسرائيل فاشتروه بما قام من ثمنه وأعتقوه ، فكانت قريظة حلفاء الأوس ، والنضير حلفاء الخزرج ، وكانوا يقاتلون في حرب سنين فيقاتل بنو قريظة مع حلفائهم وبنو النضير مع حلفائهم وإذا غلبوا خربوا ديارهم وأخرجوهم منها ، وإذا أسر رجل من الفريقين جمعوا له حتى يفدوه وإن كان الأسير من عدوهم ، فتعيرهم العرب ويقولون : كيف تقاتلونهم قالوا :إنا أمرنا أن نفديهم فيقولون : فلم تقاتلوهم قالوا : إنا نستحيي أن تذل حلفاؤنا ، فعيرهم الله تعالى بذلك فقال : { ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم } وفي الآية تقديم وتأخير ونظمها وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان .
قوله تعالى : { وهو محرم عليكم إخراجهم } . وإن يأتوكم أسارى تفادوهم ، فكان الله تعالى أخذ عليهم أربعة عهود : ترك القتال ، وترك الإخراج ، وترك المظاهرة عليهم مع أعدائهم ، وفداء أسراهم ، فأعرضوا عن الكل إلا الفداء .
قوله تعالى : { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض } . قال مجاهد : يقول إن وجدته في يد غيرك فديته وأنت تقتله بيدك .
قوله تعالى : { فما جزاء من يفعل ذلك منكم } . يا معشر اليهود .
قوله تعالى : { إلا خزي } . عذاب وهوان .
قوله تعالى : { في الحياة الدنيا } . فكان خزي قريظة القتل والسبي وخزي بني النضير الجلاء والنفي من منازلهم إلى أذرعات وأريحاء من الشام .
قوله تعالى : { ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب } . وهو عذاب النار .
قوله تعالى : { وما الله بغافل عما تعملون } . قرأ ابن كثير ونافع وأبو بكر بالياء ، والباقون بالتاء .
{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ }
وهذا الفعل المذكور في هذه الآية ، فعل للذين كانوا في زمن الوحي بالمدينة ، وذلك أن الأوس والخزرج - وهم الأنصار - كانوا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم مشركين ، وكانوا يقتتلون على عادة الجاهلية ، فنزلت عليهم الفرق الثلاث من فرق اليهود ، بنو قريظة ، وبنو النضير ، وبنو قينقاع ، فكل فرقة منهم حالفت فرقة من أهل المدينة .
فكانوا إذا اقتتلوا أعان اليهودي حليفه على مقاتليه الذين تعينهم{[92]} الفرقة الأخرى من اليهود ، فيقتل اليهودي اليهودي ، ويخرجه من دياره إذا حصل جلاء ونهب ، ثم إذا وضعت الحرب أوزارها ، وكان قد حصل أسارى بين الطائفتين فدى بعضهم بعضا .
والأمور الثلاثة كلها قد فرضت عليهم ، ففرض عليهم أن لا يسفك بعضهم دم بعض ، ولا يخرج بعضهم بعضا ، وإذا وجدوا أسيرا منهم ، وجب عليهم فداؤه ، فعملوا بالأخير وتركوا الأولين ، فأنكر الله عليهم ذلك فقال : { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ } وهو فداء الأسير { وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } وهو القتل والإخراج .
وفيها أكبر دليل على أن الإيمان يقتضي فعل الأوامر واجتناب النواهي ، وأن المأمورات من الإيمان ، قال تعالى : { فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } وقد وقع ذلك فأخزاهم الله ، وسلط رسوله عليهم ، فقتل من قتل ، وسبى من سبى منهم ، وأجلى من أجلى .
{ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ } أي : أعظمه { وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }
فماذا كان بعد الإقرار وهم شاهدون حاضرون ؟
( ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم ، وتخرجون فريقا منكم من ديارهم ، تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان . وإن يأتوكم أسارى تفادوهم ، وهو محرم عليكم إخراجهم . أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ؟ ) . .
ولقد كان هذا الذي يواجههم به واقعا قريب العهد قبيل غلبة الإسلام على الأوس والخزرج . كان الأوس والخزرج مشركين ، وكان الحيان أشد ما يكون حيان من العرب عداء . وكان اليهود في المدينة ثلاثة أحياء ترتبط بعهود مع هذا الحي وذاك من المشركين . . كان بنو قينقاع وبنو النضير حلفاء الخزرج ، وكان ينو قريظة حلفاء الأوس . فكانت الحرب إذا نشبت بينهم قاتل كل فريق مع حلفائه ؛ فيقتل اليهودي أعداءه ، وقد يقتل اليهودي اليهودي من الفريق الآخر - وهذا حرام عليهم بنص ميثاق الله معهم - وكانوا يخرجونهم من ديارهم إذا غلب فريقهم وينهبون أموالهم ويأخذون سباياهم - وهذا حرام عليهم بنص ميثاق الله معهم - ثم إذا وضعت الحرب أوزارها فادوا الأسارى ، وفكوا أسر المأسورين من اليهود هنا أو هناك ، عندهم أو عند حلفائهم أو أعداء حلفائهم على السواء - وذلك عملا بحكم التوراة وقد جاء فيها : إنك لا تجد مملوكا من بني إسرائيل إلا أخذته فأعتقته . .
هذا التناقض هو الذي يواجههم به القرآن ؛ وهو يسألهم في استنكار :
( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ؟ ) . .
وهذا هو نقض الميثاق الذي يتهددهم عليه بالخزي في الحياة الدنيا ، والعذاب الأشد في الآخرة . مع التهديد الخفي بأن الله ليس غافلا عنه ولا متجاوزا :
( فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ، ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب . وما الله بغافل عما تعملون ) . .
قال محمد بن إسحاق بن يسار : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن سعيد بن جبير - أو عكرمة - عن ابن عباس : { ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ } الآية ، قال : أنبهم الله{[2108]} من فعلهم ، وقد حرّم عليهم في التوراة سفك دمائهم{[2109]} وافترض عليهم فيها فدَاء أسراهم ، فكانوا فريقين : طائفة منهم بنو قينقاع وإنهم{[2110]} حلفاء الخزرج ، والنضير ، وقريظة وإنهم{[2111]} حلفاء الأوس ، فكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حرب خرجت بنو قينقاع مع الخزرج ، وخرجت النضير وقريظة مع الأوس ، يظاهر{[2112]} كل واحد من الفريقين حلفاءه على إخوانه ، حتى يتسافكوا دماءهم بينهم ، وبأيديهم التوراة يعرفون فيها ما عليهم وما لهم . والأوس والخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان ، ولا يعرفون جنة ولا نارًا ، ولا بعثًا ولا قيامة ، ولا كتابًا ، ولا حلالا ولا حرامًا ، فإذا وضعت الحرب أوزارها افتدوا أسراهم ، تصديقًا لما في التوراة ، وأخذًا به ؛ بعضهم من بعض ، يفتدي بنو قينقاع ما كان من أسراهم في أيدي{[2113]} الأوس ، ويفتدي النضير وقريظة ما كان في أيدي{[2114]} الخزرج منهم ، ويطلبون{[2115]} ما أصابوا من دمائهم{[2116]} وقتلى من قتلوا منهم فيما بينهم ، مظاهرة لأهل الشرك عليهم . يقول الله تعالى ذكره حيث أَنَّبهم{[2117]} بذلك : { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } أي : يفاديه بحكم التوراة ويقتله ، وفي حكم التوراة ألا يفعل ، ولا يُخرج{[2118]} من داره ، ولا يُظَاهَر عليه من يُشْرك بالله ، ويعبد الأوثان من دونه ، ابتغاء عرض الدنيا . ففي ذلك من فعلهم مع الأوس والخزرج - فيما بلغني - نزلت هذه القصة{[2119]} .
وقال أسباط عن السدي : كانت قريظة حلفاء الأوس ، وكانت النضير حلفاء الخزرج ، فكانوا يقتتلون في حرب سُمَير ، فيقاتل بنو قريظة مع حلفائها النضيرَ وحلفاءهم ، وكانت النضير تقاتل قريظة وحلفاءها ، ويغلبونهم ، فيخربون ديارهم ، ويخرجونهم منها ، فإذا أسر رجل من الفريقين كليهما ، جمعوا له حتى يفدوه . فتعيرهم العرب بذلك ، ويقولون : كيف تقاتلونهم وتفدونهم ؟ قالوا : إنا أمرنا أن نفديهم ، وحرّم علينا قتالهم ، قالوا : فلم تقاتلونهم ؟ قالوا : إنَّا نستحيى أن تُسْتَذلّ حلفاؤنا{[2120]} . فذلك حين عيَّرهم الله ، فقال : { ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ }
وقال شعبة ، عن السدي : نزلت هذه الآية في قيس بن الخَطيم : { ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإثْمِ وَالْعُدْوَانِ }
وقال أسباط ، عن السدي ، عن عبد خير ، قال : غزونا مع سلمان بن ربيعة الباهلي بَلَنْجَر{[2121]} فحاصرنا أهلها ففتحنا المدينة وأصبنا سبايا واشترى عبد الله بن سلام يهودية بسبعمائة ، فلما مرّ برأس الجالوت نزل به ، فقال له عبد الله : يا رأس الجالوت ، هل لك في عجوز هاهنا من أهل دينك ، تشتريها مني ؟ قال : نعم . قال : أخذتها بسبعمائة درهم . قال : فإني أرْبحُك سبعمائة أخرى . قال : فإني قد حلفت ألا أنقصها من أربعة آلاف . قال : لا حاجة لي فيها ، قال : والله لتشترينها مني ، أو لتكفرن بدينك الذي أنت عليه . قال : ادن مني ، فدنا منه ، فقرأ في أذنه التي في التوراة : إنك لا تجد مملوكًا من بني إسرائيل إلا اشتريته فأعتقته { وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ } قال : أنت عبد الله بن سلام ؟ قال : نعم . قال : فجاء بأربعة آلاف ، فأخذ عبد الله ألفين ، ورد عليه ألفين .
وقال آدم بن أبي إياس في تفسيره : حدثنا أبو جعفر يعني الرازي ، حدثنا الربيع بن أنس ، أخبرنا أبو العالية : أن عبد الله بن سلام مر على رأس الجالوت بالكوفة ، وهو يفادي من النساء من لم يقع عليها العرب ، ولا يفادي من وقع عليها العرب ، فقال{[2122]} عبد الله بن سلام : أما إنه مكتوب عندك في كتابك أن تفاديهن كلهن .
والذي أرشدت إليه الآية الكريمة ، وهذا السياق ، ذم اليهود في قيامهم بأمر التوراة التي يعتقدون صحتها ، ومخالفة شرعها ، مع معرفتهم بذلك وشهادتهم له بالصحة ، فلهذا لا يؤتمنون على ما فيها ولا على نقلها ، ولا يصدقون فيما يكتمونه من صفة رسول الله{[2123]} صلى الله عليه وسلم ونعته ، ومبعثه ومخرجه ، ومهاجره ، وغير ذلك من شؤونه ، التي قد أخبرت بها الأنبياء قبله . واليهود عليهم لعائن الله يتكاتمونه بينهم ، ولهذا قال تعالى { فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } أي : بسبب مخالفتهم شرع الله وأمره { وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ } جزاء على ما كتموه من كتاب الله الذي بأيديهم { وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } .
{ ثم أنتم هؤلاء } استبعاد لما ارتكبوه بعد الميثاق والإقرار به والشهادة عليه . وأنتم مبتدأ وهؤلاء خبره على معنى أنتم بعد ذلك هؤلاء الناقصون ، كقولك أنت ذلك الرجل الذي فعل كذا ، نزل تغير الصفة منزلة تغير الذات ، وعدهم باعتبار ما أسند إليهم حضورا وباعتبار ما سيحكي عنهم غيبا . وقوله تعالى : { تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم } إما حال والعامل فيها معنى الإشارة ، أو بيان لهذه الجملة . وقيل : هؤلاء تأكيد ، والخبر هو الجملة . وقيل بمعنى الذين والجملة صلته والمجموع هو الخبر ، وقرئ { تقتلون } على التكثير . { تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان } حال من فاعل تخرجون ، أو من مفعوله ، أو كليهما . والتظاهر التعاون من الظهر . وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بحذف إحدى التاءين وقرئ بإظهارها ، وتظهرون بمعنى تتظهرون { وإن يأتوكم أسارى تفادوهم } روي أن قريظة كانوا حلفاء الأوس ، والنضير حلفاء الخزرج ، فإذا اقتتلا عاون كل فريق حلفاءه في القتل وتخريب الديار وإجلاء أهلها ، وإذا أسر أحد من الفريقين جمعوا كل فريق حلفاءه في القتل وتخريب الديار وإجلاء أهلها ، وإذا أسر أحد من الفريقين جمعوا له حتى يفدوه . وقيل معناه إن يأتوكم أسارى في أيدي الشياطين تتصدوا لإنقاذهم بالإرشاد والوعظ مع تضييعكم أنفسكم كقوله تعالى : { أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم } . وقرأ حمزة { أسرى } وهو جمع أسير كجريح وجرحى ، وأسارى جمعه كسكرى وسكارى . وقيل هو أيضا جمع أسير ، وكأنه شبه بالكسلان وجمع جمعه . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وابن عامر " تفدوهم " { وهو محرم عليكم إخراجهم } متعلق بقوله { وتخرجون فريقا منكم من ديارهم } ، وما بينهما اعتراض ، والضمير للشأن ، أو مبهم ويفسره إخراجهم ، أو راجع إلى ما دل عليه تخرجون من المصدر ، وإخراجهم بدل أو بيان { أفتؤمنون ببعض الكتاب } يعني الفداء .
{ وتكفرون ببعض } يعني حرمة المقاتلة والإجلاء . { فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا } كقتل قريظة وسبيهم . وإجلاء بني النضير ، وضرب الجزية على غيرهم . وأصل الخزي ذل يستحيا منه ، ولذلك يستعمل في كل منهما . { ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب } لأن عصيانهم أشد . { وما الله بغافل عما تعملون } تأكيد للوعيد ، أي الله سبحانه وتعالى بالمرصاد لا يغفل عن أفعالهم . وقرأ عاصم في رواية المفضل ، " تردون " على الخطاب لقوله { منكم } . وابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر ، وخلف ويعقوب " يعملون " على أن الضمير لمن .