فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{ثُمَّ أَنتُمۡ هَـٰٓؤُلَآءِ تَقۡتُلُونَ أَنفُسَكُمۡ وَتُخۡرِجُونَ فَرِيقٗا مِّنكُم مِّن دِيَٰرِهِمۡ تَظَٰهَرُونَ عَلَيۡهِم بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَإِن يَأۡتُوكُمۡ أُسَٰرَىٰ تُفَٰدُوهُمۡ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيۡكُمۡ إِخۡرَاجُهُمۡۚ أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضٖۚ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفۡعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمۡ إِلَّا خِزۡيٞ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰٓ أَشَدِّ ٱلۡعَذَابِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (85)

{ تظاهرون } أصله تتظاهرون أي تتعاونون .

{ الإثم } الذنب { العدوان }الإفراط في الظلم

{ أسارى } مأسورين { تفادوهم } تدفعون شيئا لتحريرهم .

{ خزي } ذل وهوان

{ ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم } الآية . . . والذي أرشدت إليه الآية الكريمة وهذا السياق ذم اليهود في قيامهم بأمر التوراة التي يعتقدون صحتها ومخالفة شرعها مع معرفتهم بذلك وشهادتهم له بالصحة فلهذا لا يؤتمنون على ما فيها ولا على نقلها ولا يصدقون فيما كتموه من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونعته ومبعثه ومخرجه ومهاجره وغير ذلك من شؤونه التي أخبرت بها الأنبياء قبله عليه الصلاة والسلام ، واليهود- عليهم لعائن الله- يتكاتمونه بينهم ولهذا قال تعالى { فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا }-{[339]} ومما أورد القرطبي أن علماؤنا كان الله تعالى قد أخذ عليهم أربعة عهود ترك القتل وترك الإخراج وترك المظاهرة وفداء أساراهم فأعرضوا عن كل ما أمروا به إلا الفداء فوبخهم الله على ذلك توبيخا يتلى فقال { أفتؤمنون ببعض الكتاب } وهو التوراة و{ تكفرون ببعض } قلت ولعمر الله لقد أعرضنا نحن عن الجميع بالفتن فتظاهر بعضنا على بعض ليت بالمسلمين ، بل بالكافرين حتى تركنا إخواننا أذلة وصاغرين يجري عليهم حكم المشركين فلا حول لهم ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قال علماؤنا : فداء الأسارى واجب وإن لم يبق درهم واحد قال ابن خويز منداد : تضمنت الآية وجوب فك الأسرى وبذلك وردت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فك الأسارى وأمر بفكهم وجرى بذلك عمل المسلمين وانعقد به الإجماع ويجب فك الأسارى من بيت المال فإن لم يكن فهو فرض على كافة المسلمين ومن قام به منهم أسقط الفرض عن الباقين ا ه . { فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا } فليس لمن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعضه من عوض يثوب إليه وأجر يرد عليه إلا الهوان والصغار في هذه الحياة العاجلة { ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب } ويصار به في الآخرة إلى العقاب الذي لا عقوبة أوجع منه { وما الله بغافل عما تعملون } ما يغيب عن علم ربنا وسمعه وبصره شيء من قول القائلين وعمل العاملين وما في صدور العالمين وسينال كل مثوبة ما اكتسبت فهو إخبار فيه معنى الإنذار كقوله جل ثناؤه { . . . واعملوا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه . . . }{[340]} .


[339]:ما بين العارضتين من تفسير القرآن العظيم.
[340]:سورة البقرة من الآية 235.