السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ثُمَّ أَنتُمۡ هَـٰٓؤُلَآءِ تَقۡتُلُونَ أَنفُسَكُمۡ وَتُخۡرِجُونَ فَرِيقٗا مِّنكُم مِّن دِيَٰرِهِمۡ تَظَٰهَرُونَ عَلَيۡهِم بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَإِن يَأۡتُوكُمۡ أُسَٰرَىٰ تُفَٰدُوهُمۡ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيۡكُمۡ إِخۡرَاجُهُمۡۚ أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضٖۚ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفۡعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمۡ إِلَّا خِزۡيٞ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰٓ أَشَدِّ ٱلۡعَذَابِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (85)

{ ثم أنتم } يا { هؤلاء تقتلون أنفسكم } فيه استبعاد لما ارتكبوه بعد الميثاق والإقرار والشهادة عليه أي : ثم بعد ذلك يقتل بعضكم بعضاً

{ وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون } قرأ عاصم وحمزة والكسائي بتخفيف الطاء ، والباقون بتشديدها ، أي : تتعاونون { عليهم بالإثم } أي : المعصية { والعدوان } أي : الظلم { وإن يأتوكم أسارى } قرأ حمزة بفتح الهمزة وسكون السين ولا ألف بعد السين ، والباقون بضمّ الهمزة وفتح السين وألف بعدها { تفادوهم } قرأ عاصم والكسائيّ بضمّ التاء وفتح الفاء وألف بعدها ، والباقون بفتح التاء وسكون الفاء ولا ألف بعدها ، أي : تنقذوهم من الأسر بالمال أو غيره ، وقوله تعالى : { وهو } أي : الشأن { محرّم عليكم إخراجهم } متعلق بقوله تعالى : { وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم } وما بينهما اعتراض ، ومعنى الآية قال السدي : إنّ الله أخذ على بني إسرائيل في التوراة أن لا يقتل بعضهم بعضاً ولا يخرج بعضهم بعضاً من ديارهم وترك المظاهرة عليهم مع أعدائهم وأيما عبد أو أمة وجدتموه في بني إسرائيل فاشتروه بما قام من ثمنه وأعتقوه ، وكانت قريظة حالفوا الأوس وحالفت النضير الخزرج فكان كل فريق يقاتل مع حلفائه ويخرب ديارهم ويخرجهم فإذا أسروا فدوهم وكانوا إذا سئلوا : لم تقاتلونهم ؟ وتفدونهم قالوا : أمرنا بالفداء ، فيقال : فلم تقاتلونهم ؟ فيقولون : حياء أن يستذل حلفاؤنا فعيرهم الله تعالى بقوله : { أفتؤمنون ببعض الكتاب } وهو الفداء { وتكفرون ببعض } وهو ترك القتل والإخراج والمظاهرة { فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي } أي : هوان وعذاب { في الحياة الدنيا } فكان خزي قريظة القتل والسبي ، وخزي بني النضير الجلاء والنفي عن منازلهم إلى أذرعات وأريحاء من الشام { ويوم القيامة يردّون إلى أشدّ العذاب } أي : عذاب جهنم وإنما ردّ من فعل منهم ذلك إلى أشدّ العذاب لأنّ عصيانه أشدّ { وما الله بغافل عما تعملون } قرأ نافع وابن كثير وشعبة بالياء على الغيبة ، والباقون بالتاء على

الخطاب .