غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ثُمَّ أَنتُمۡ هَـٰٓؤُلَآءِ تَقۡتُلُونَ أَنفُسَكُمۡ وَتُخۡرِجُونَ فَرِيقٗا مِّنكُم مِّن دِيَٰرِهِمۡ تَظَٰهَرُونَ عَلَيۡهِم بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَإِن يَأۡتُوكُمۡ أُسَٰرَىٰ تُفَٰدُوهُمۡ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيۡكُمۡ إِخۡرَاجُهُمۡۚ أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضٖۚ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفۡعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمۡ إِلَّا خِزۡيٞ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰٓ أَشَدِّ ٱلۡعَذَابِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (85)

83

{ ثم أنتم } معنى { ثم } الاستبعاد لما أسند إليهم من القتل ، والاجلاء والعدوان بعد أخذ الميثاق منهم ، وإقرارهم وشهادتهم . و{ أنتم } مبتدأ

و{ هؤلاء } خبره أي أنتم بعد ذلك هؤلاء المشاهدون يعني أنكم قوم آخرون غير أولئك المقرين تنزيلاً لتغير الصفة منزلة تغير الذات كما تقول : خرجت بغير الوجه الذي دخلت به ، و{ تقتلون } بيان ل { أنتم هؤلاء } وقيل { هؤلاء } موصول بمعنى الذين وهذا عند الكوفيين فإنهم يجوزون كون جميع أسماء الإشارة بمعنى الموصول . والتظاهر التعاون ، ولما كان الإخراج من الديار وقتل البعض بعضاً مما تعظم به الفتنة واحتيج فيه إلى اقتدار وغلبة ، بيّن تعالى أنهم فعلوه على وجه الاستعانة بمن يظاهرهم على الظلم والعدوان ، وفيه دليل على أن الظلم كما هو محرم فكذا إعانة الظالم على ظلمه محرمة . ولا يشكل هذا بتمكين الله تعالى الظالم من الظلم فإنه كما مكنه فقد زجره عنه ونهاه بخلاف معين الظالم فإنه يدعوه إلى الظلم ويحسنه في عينه مع أنه تعالى لا يسأل عما يفعل . أسرى جمع أسير كجرحى في جريح ، وأسارى جمع أسرى كسكرى وسكارى . وقيل : أسارى من الجموع التي ترك مفردها كأنه جمع " إسران " كعجالى وعجلان . وقوله { تفادوهم } جمهور المفسرين على أنه وصف لهم بما هو طاعة وهو التخليص من الأسر ببذل مال أو غيره ليعودوا إلى كفرهم و{ هو } ضمير الشأن و{ إخراجهم } مبتدأ و{ محرّم } خبره والجملة خبر الضمير . ويجوز أن يكون { هو } مبتدأ مبهماً و{ محرم } خبره و{ إخراجهم } تفسيره ، { أفتؤمنون ببعض الكتاب } أي بالفداء { وتكفرون ببعض } أي بالقتال والإجلاء . وذلك أن قريظة كانوا حلفاء الأوس والنضير كانوا حلفاء الخزرج ، فكان كل فريق يقاتل مع حلفائه ، وإذا غلبوا خربوا ديارهم وأخرجوهم ، وإذا أسر رجل من الفريقين جمعوا له حتى يفدوه فعيرتهم العرب فقالت :

كيف تقاتلونهم ثم تفدونهم ؟

فيقولون : أمرنا أن نفديهم وحرم علينا قتالهم ولكنا نستحيي أن يذل حلفاؤنا فذمهم الله تعالى على المناقضة إذا أتوا ببعض الواجب وتركوا البعض ، ولعلهم صرحوا باعتقاد عدم وجوبه فلهذا سماه كفراً ، وقد تكون المناقضة أدخل في الذم وفي ذلك تنبيه على أنهم في تصديقهم بنبوة موسى مع التكذيب بمحمد صلى الله عليه وسلم والحجة في أمرهما على سواء ، يجرون مجرى طريقة السلف منهم في الإيمان ببعض والكفر ببعض وكل في الميثاق سواء . الخزي الذل والهوان خزي بالكسر يخزي خزياً أي ذل وهان ، وخزي أيضاً يخزى خزاية أي استحيا فهو خزيان . فإذا قيل : أخزاه الله . فالمراد أهانه أو أوقعه موقعاً يستحيي منه وتنكير " خزي " يدل على فظاعة شأنه وأنه بلغ مبلغاً لا يكتنه كنهه ، والأظهر أنه غير مختص ببعض الوجوه .

وقيل : هو قتل بني قريظة وأسرهم وإجلاء بني النضير ، وقيل : الجزية ، وعلى هذين القولين يختص الخزي بمن في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم وبمن يخلفهم دون أسلافهم ، فإن قيل : عذاب منكري الصانع كالدهرية يجب أن يكون أشد ، فكيف يقال في حق اليهود يردون إلى أشد العذاب ؟ قلنا : إما لأن كفر العناد أغلظ ، وإما لأن المراد أشد من الخزي لا الأشد مطلقاً . وفي قوله : { وما الله بغافل } وعيد شديد للعاصين وبشارة عظيمة للمطيعين ، لأن القدرة الكاملة مع عدم الغفلة تدل على وصول الحقوق إلى مستحقها لا محالة .

/خ86