الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{ثُمَّ أَنتُمۡ هَـٰٓؤُلَآءِ تَقۡتُلُونَ أَنفُسَكُمۡ وَتُخۡرِجُونَ فَرِيقٗا مِّنكُم مِّن دِيَٰرِهِمۡ تَظَٰهَرُونَ عَلَيۡهِم بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَإِن يَأۡتُوكُمۡ أُسَٰرَىٰ تُفَٰدُوهُمۡ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيۡكُمۡ إِخۡرَاجُهُمۡۚ أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضٖۚ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفۡعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمۡ إِلَّا خِزۡيٞ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰٓ أَشَدِّ ٱلۡعَذَابِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (85)

ومعنى : ( تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ )/الآية[ 84 ] أي يقتل بعضكم بعضاً ، ويخرج بعضكم بعضاً( {[2816]} ) .

( مِّن دِيَارِهِمْ ) [ 84 ] يريد به أسلافهم .

وقيل : المعنى : لا تقتلوا فيجب عليكم القصاص فتُقتلوا فتكونوا سبباً لقتل أنفسكم . ولا تفسدوا فيجب عليكم النفي فتكونوا سبباً لإخراجكم من دياركم .

/ت*

قوله : ( ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ ) [ 83 ] .

أي : اعترفتم أن هذا قد أخذ عليكم .

ومعناه : أقَرَّ أوائلُكم بذلك . وأنتم يا هؤلاء تشهدون على إقرارهم لأن في [ كتابكم أخذي للميثاق ]( {[2817]} ) عليهم فأنتم( {[2818]} ) شهود( {[2819]} ) .

وقيل : الخطاب من أوله لهم وهم المقرون ، وذلك من( {[2820]} ) بالحضرة من اليهود( {[2821]} ) .

وقوله( {[2822]} ) : ( وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ) [ 83 ] .

لأوائلهم( {[2823]} ) ، وأوائلكم يشهدون بأخذي( {[2824]} ) للميثاق( {[2825]} ) عليهم

*ت/

ودل على ذلك قوله ( ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاَءِ ) ، فَوَبَّخَ من بالحضرة ، وأشار إليهم بهاء التشبيه بعد أن مضى ذكر أسلافهم ، ورجع إلى ذكرهم . ومخاطبتهم بقوله لهم : ( تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ ) هو أنهم كانوا قد افترقوا فرقتين : فرقة مع الأوس وفرقة مع الخَزْرَجِ . فإذا جرى بين الأوس والخزرج قِتَال أعانت كل فرقة منهم( {[2826]} ) أصحابهم ، فيقتل بعضهم بعضاً( {[2827]} ) ، ويجلي( {[2828]} ) بعضهم بعضاً في الحمية وهم في أيديهم التوراة يعرفون ما عليهم ، وكانت الأوس والخزرج أهل شرك لا كتاب لهم يعبدون الأوثان ، فإذا وضعت الحرب فَدَوْا أسراهم تصديقاً لما في التوراة ، كل ذلك مظاهرة لأهل الشرك ، فذلك( {[2829]} ) قوله :

( أَفَتُومِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ) ، يستحلون دماء بعضهم بعضاً ، فذلك كفرهم . ويتحَرجون أن يبقى الأسرى في أيديهم فيتفادوا ؛ فذلك البعض الذي يؤمنون به ، وكان فرض عليهم أن لا يستعبدوا أحداً( {[2830]} ) من بني إسرائيل/ وفرض عليهم ألا يقتلوا أحداً ، ولا يخرجوا أحداً( {[2831]} ) من ديارهم( {[2832]} ) ، فحللوا القتل والإخراج ، ولم يحلوا ترك الفداء والإخراج من الديار ، ويؤمنون بالفداء وترك الخزرج حلفاء بني قينقاع ، والأوس حلفاء قريظة والنضير . وكان بين الأوس والخزرج عداوات( {[2833]} ) وحروب ، وهم مشركون ، وبين بني قينقاع وقريظة والنضير عداوات( {[2834]} ) وحروب ، وهم مشركون ، وبين بني قينقاع وقريظة والنضير عداوات( {[2835]} ) وحروب ، فيعاون كل قوم حلفاءهم إذا تحاربوا( {[2836]} ) .

قوله : ( وَإِنْ يَّاتُوكُمُ أُسَارَى ) [ 84 ] .

في موضع الحال ، والأكثر أن يكون على " أَسْرى " كقراءة حمزة( {[2837]} ) ، كقتيل( {[2838]} ) وقتلى ، وجريح وجرحى .

ومن قال( {[2839]} ) : ( أُسَارَى )( {[2840]} ) شبهه ب " سكارى " كما قالوا " سكرى " ( {[2841]} ) على التشبيه " بأسرى " ، فكل واحد مشبه بالآخر( {[2842]} ) في بابه( {[2843]} ) ، ولم يُجِز أبو حاتم " أسارى " ( {[2844]} ) .

وإنما يقال " فَعْلاَن " فيما كان آفة تدخل على العقل كما قال سيبويه( {[2845]} ) .

والفتح في " سُكَارَى " الأصل ، والضم داخل عليه كأنه لغة ، ويقال أُسَرَاءُ( {[2846]} ) كَظُرفَاءَ ، وَفَرَّقَ أبو عمرو/ بين أَسْرَى وأُسَارَى :

فقال : " ما صار في أيديهم فهو أسارى كأنه آفة دخلت عليهم " كسَكْرَانَ " ، وما أتى مستأسراً( {[2847]} ) فهم الأسرى( {[2848]} ) .

وواحد " الأسرى " و " الأسارى " أسير ؛ بمعنى مأسور ، كجريح وقتيل .

/قوله( {[2849]} ) : ( وَهُوَ مُحَرَّمٌ ) [ 84 ] .

هو راجع إلى الإخراج ، دل عليه : " تَخْرُجونَ " ( {[2850]} ) .

وقيل : هو مجهول كناية( {[2851]} ) عن الأمر أو( {[2852]} ) الشأن( {[2853]} ) .

وقال( {[2854]} ) بعض الكوفيين : " هو فاصلة " ، وذلك لا يجوز لأن( {[2855]} ) حذفها يخل بالكلام ، والفاصلة يجوز/ حذفها .

قوله : ( أَفَتُومِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ) [ 84 ] .

كفرهم هو قتل بعضهم بعضاً ومعاونة الأوس( {[2856]} ) والخزرج لهم( {[2857]} ) ، وهم يعلمون أن ذلك محرم عليهم . وإيمانهم هو( {[2858]} ) أنهم افترض عليهم ألا يستعبدوا أحداً( {[2859]} ) من بني إسرائيل وأن يفدوهم . وكانوا إذا فرغوا من الحرب فدوا من أسر منهم بعضهم [ من بعض ]( {[2860]} ) .

قوله : ( إِلاَّ خِزْيٌ ) [ 84 ] .

هو أخذ الجزية عن يد .

وقيل : هو أخذ القاتل بمن قتل( {[2861]} ) .

وقيل : هو إجلاء( {[2862]} ) رسول الله [ عليه السلام ]( {[2863]} ) بني النضير عن ديارهم لأول( {[2864]} ) الحشر إلى الشام( {[2865]} ) .

وقيل : هو قتل مقاتلة قريظة وسبي ذراريهم( {[2866]} ) .

وأصل الخزي الذل والصغار( {[2867]} ) .

وروي أن بني قينقاع من اليهود كانوا أعداء قريظة والنضير من اليهود ، وكانت الأوس حلفاء بني( {[2868]} ) قينقاع ، والخزرج حلفاء قريظة والنضير . وقريظة/ والنضير كانا( {[2869]} ) أخوين من أهل الكتاب ، والأوس والخزرج أخوان افترقا ، وافترق أيضاً قريظة والنضير . فكانت النضير مع الخزرج وقريظة مع الأوس ، فإذا اقتتل الأوس والخزرج [ أعانت النضير الخزرج/ وقريظة الأوس ]( {[2870]} ) ، فقتل بعضهم بعضاً فعيرهم( {[2871]} ) الله بذلك( {[2872]} ) .


[2816]:- قوله: "ويخرج بعضكم بعضاً" ساقط من ع3.
[2817]:- في ع2، ع3: كتابهم أخذ الميثاق.
[2818]:- في ع3: وأنتم.
[2819]:- انظر: المحرر الوجيز 1/280.
[2820]:- سقط من ع3.
[2821]:- انظر: المحرر الوجيز 1/280.
[2822]:- سقط من ع3.
[2823]:- في ح: لأوائلهم لأي.
[2824]:- في ع1، ع2 أخذي. وفي ق، ع3: أخذه.
[2825]:- في ع1: للميقات. وهو تحريف.
[2826]:- سقط من ق.
[2827]:- سقط من ق.
[2828]:- في ع2، فيحلي. وفي ق: ويجلي. وكلاهما تصحيف.
[2829]:- في ق: بذلك. وهو تحريف.
[2830]:- في ع2: واحداً.
[2831]:- في ع2، ع3: أحد. وهو خطأ.
[2832]:- في ع3: دياره.
[2833]:- في ع3: قنقاع وأعدائهم قريض.
[2834]:- في ع3: عداوة.
[2835]:- في ع3: عداوة.
[2836]:- في ع3: حاربوا، وانظر: هذا التوجيه في المحرر الوجيز 1/282 والدر المنثور 1/211.
[2837]:- وقرأ الباقون أسارى "انظر: كتاب السبعة 164، والكشف 1/251، والتبصرة 151، والتيسير 74، وكتاب العنوان 70، والحجة 104، والنشر 2/218.
[2838]:- في ع2: كقتلي. وهو تحريف.
[2839]:- في ع3: قبل. وهو تحريف.
[2840]:- في ع2، ع3: أسرى.
[2841]:- في ع2، ع3: سكارى.
[2842]:- في ع3: بالأخرى.
[2843]:- انظر: جامع البيان 2/311، وإعراب القرآن 1/194.
[2844]:- انظر: إعراب القرآن 1/194، ومشكل الإعراب 1/103، وتفسير القرطبي 2/21.
[2845]:- انظر: المحرر الوجيز 1/283 وهو أيضاً قول الأخفش في معانيه 1/128-129.
[2846]:- في ع3: سواء. وهو تحريف.
[2847]:- في ع2: مستأسر.
[2848]:- انظر: الكشف 1/252، والحجة 104.
[2849]:- في ح، ق: وقوله.
[2850]:- انظر: هذا التوجيه في معاني الفراء 1/50-51 والبيان 1/105، والإملاء 1/49.
[2851]:- في ق: كتابة. وهو تصحيف.
[2852]:- في ع2، ع3: و.
[2853]:- في ع2: الشنآن. وهو تحريف. وانظر: هذا القول في إعراب القرآن 1/159، والبيان 1/105، والإملاء 1/49.
[2854]:- في ع2: قال.
[2855]:- في ع3: لا. وهو تحريف.
[2856]:- في ع2: للأوس.
[2857]:- سقط من ع2.
[2858]:- سقط من ع3.
[2859]:- في ع3: واحداً.
[2860]:- في ع3: بعضاً.
[2861]:- انظر: جامع البيان 2/314.
[2862]:- في ع3: إخلاء.
[2863]:- في ع2، ق، ع3: صلى الله عليه وسلم.
[2864]:- في ق: الأول...وهو خطأ.
[2865]:- انظر: جامع البيان 2/314، والمحرر الوجيز 1/285.
[2866]:- في ع3: ديارهم. وهو تحريف، وانظر: هذا القول في المصدرين السابقين.
[2867]:- في ع3: الصغر.
[2868]:- سقط من ق.
[2869]:- في ع2: كانوا.
[2870]:- في ع3: أعان كل فرقة صاحبها.
[2871]:- في ق: فغيرهم.
[2872]:- انظر: سيرة ابن هشام 2/188-189، والقول لابن زيد في جامع البيان 2/307.