بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{ثُمَّ أَنتُمۡ هَـٰٓؤُلَآءِ تَقۡتُلُونَ أَنفُسَكُمۡ وَتُخۡرِجُونَ فَرِيقٗا مِّنكُم مِّن دِيَٰرِهِمۡ تَظَٰهَرُونَ عَلَيۡهِم بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَإِن يَأۡتُوكُمۡ أُسَٰرَىٰ تُفَٰدُوهُمۡ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيۡكُمۡ إِخۡرَاجُهُمۡۚ أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضٖۚ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفۡعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمۡ إِلَّا خِزۡيٞ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰٓ أَشَدِّ ٱلۡعَذَابِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (85)

يعني يا هؤلاء ويقال معناه ، ثم أنتم هؤلاء يا معشر اليهود { تقتلون أنفسكم } أي يقتل بعضكم بعضاً ، { وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مّنكُم مّن ديارهم } ، أي بعضكم بعضاً ، لأنه كان بين الأوس والخزرج عداوة وكان بنو النضير وقريظة : إحدى القبيلتين كانت معينة للأوس ، والأخرى كانت معينة للخزرج ، فإذا غلبت إحداهما على الأخرى كانت تقتلهم وتخرجهم من ديارهم . وفي الآية دليل أن الإخراج من الدار ينزل منزلة القتل ، لأن الله تعالى قرن الإخراج من الديار بالقتل حيث قال تعالى : { تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مّنكُم مّن ديارهم } . { تظاهرون علَيْهِم } ، قرأ أهل الكوفة وحمزة والكسائي بالتخفيف ، وقرأ الباقون بالتشديد { تظاهرون } لأن أصله تتظاهرون ، فأدغم إحدى التاءين في الظاء وأقيم التشديد مقامه ، معناه : تتعاونون عليهم { بالإثم والعدوان } ، يعني بالمعصية والظلم . قال الزجاج : العدوان هو الإفراط في الظلم . { وَإِن يَأْتُوكُمْ أسارى تفادوهم } ، قرأ عاصم والكسائي ونافع { أسارى تفادوهم } كلاهما بالألف ، وقرأ حمزة { أسارى تفادوهم } بغير ألف فيهما ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر { أسارى تفادوهم } الأول بالألف والثاني بغير ألف . وهذا من الميثاق الذي أخذ عليهم بأن يفادوا الأسارى . { وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ } هذا انصرف إلى ما سبق ذكره من الإخراج ، فكأنه يقول : وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم وهو محرم عليكم إخراجهم ، يعني ذلك الإخراج كان محرماً ، ثم بيَّن الإخراج مرة أخرى لتراخي الكلام ، فقال وهو محرم عليكم إخراجهم .

ثم قال : { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكتاب وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } ، لأنهم كانوا إذا أسروا من غيرهم قتلوا الأسرى ولا يفادوهم ، وإن أسر منهم أحد يأخذوهم بالفداء ، فهذا معنى قوله تعالى : { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكتاب وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } . { فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذلك مِنكُمْ إِلاَّ خِزْىٌ فِي الحياة الدنيا } ، أي عقوبة من يفعل ذلك منكم خزي في الحياة الدنيا ، وهو إخراج بني النضير إلى الشام وقتل بني قريظة ، وقتل مقاتليهم وسبي ذراريهم .

ثم أخبر بأن الذي أصابهم في الدنيا من الخزي والعقوبة لم يكن كفارة لذنوبهم ولكنهم : { وَيَوْمَ القيامة يُرَدُّونَ } ، أي في الآخرة { إلى أَشَدّ العذاب } . ويقال : الخزي في الدنيا الجزية .

{ وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ } ، أي لا يخفى على الله تعالى من أعمالهم شيء ، فيجازون بأعمالهم .