في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{ثُمَّ أَنتُمۡ هَـٰٓؤُلَآءِ تَقۡتُلُونَ أَنفُسَكُمۡ وَتُخۡرِجُونَ فَرِيقٗا مِّنكُم مِّن دِيَٰرِهِمۡ تَظَٰهَرُونَ عَلَيۡهِم بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَإِن يَأۡتُوكُمۡ أُسَٰرَىٰ تُفَٰدُوهُمۡ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيۡكُمۡ إِخۡرَاجُهُمۡۚ أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضٖۚ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفۡعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمۡ إِلَّا خِزۡيٞ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰٓ أَشَدِّ ٱلۡعَذَابِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (85)

75

فماذا كان بعد الإقرار وهم شاهدون حاضرون ؟

( ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم ، وتخرجون فريقا منكم من ديارهم ، تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان . وإن يأتوكم أسارى تفادوهم ، وهو محرم عليكم إخراجهم . أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ؟ ) . .

ولقد كان هذا الذي يواجههم به واقعا قريب العهد قبيل غلبة الإسلام على الأوس والخزرج . كان الأوس والخزرج مشركين ، وكان الحيان أشد ما يكون حيان من العرب عداء . وكان اليهود في المدينة ثلاثة أحياء ترتبط بعهود مع هذا الحي وذاك من المشركين . . كان بنو قينقاع وبنو النضير حلفاء الخزرج ، وكان ينو قريظة حلفاء الأوس . فكانت الحرب إذا نشبت بينهم قاتل كل فريق مع حلفائه ؛ فيقتل اليهودي أعداءه ، وقد يقتل اليهودي اليهودي من الفريق الآخر - وهذا حرام عليهم بنص ميثاق الله معهم - وكانوا يخرجونهم من ديارهم إذا غلب فريقهم وينهبون أموالهم ويأخذون سباياهم - وهذا حرام عليهم بنص ميثاق الله معهم - ثم إذا وضعت الحرب أوزارها فادوا الأسارى ، وفكوا أسر المأسورين من اليهود هنا أو هناك ، عندهم أو عند حلفائهم أو أعداء حلفائهم على السواء - وذلك عملا بحكم التوراة وقد جاء فيها : إنك لا تجد مملوكا من بني إسرائيل إلا أخذته فأعتقته . .

هذا التناقض هو الذي يواجههم به القرآن ؛ وهو يسألهم في استنكار :

( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ؟ ) . .

وهذا هو نقض الميثاق الذي يتهددهم عليه بالخزي في الحياة الدنيا ، والعذاب الأشد في الآخرة . مع التهديد الخفي بأن الله ليس غافلا عنه ولا متجاوزا :

( فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ، ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب . وما الله بغافل عما تعملون ) . .