{ وَالَّذِينَ آمَنُوا } أي : بالله وما أوجب الإيمانَ به { وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } من الواجبات والمستحبات { سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ } أي : من الأخلاق الرذيلة ، والخلْق الذميم ، ومما يكون من نساء الدنيا من كل دنس وعيب { وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا }
وفي مقابل هذا السعير المتأجج . وفي مقابل الجلود الناضجة المشوية المعذبة . . كلما نضجت بدلت . ليعود الاحتراق من جديد . ويعود الألم من جديد . في مقابل هذا المشهد المكروب الملهوف . . نجد ( الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) في جنات ندية :
ونجد في المشهد ثباتا وخلودا مطمئنا أكيدا :
ونجد في الجنات والخلد الدائم أزواجا مطهرة :
ونجد روح الظلال الندية ؛ يرف على مشهد النعيم :
تقابل كامل في الجزاء . وفي المشاهد . وفي الصور . وفي الإيقاع . . على طريقة القرآن في " مشاهد القيامة " ذات الإيحاء القوي النافذ العميق .
وقوله : { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا } هذا إخبار عن مآل السعداء في جنات عدن ، التي تجري فيها{[7765]} الأنهار في جميع فجاجها ومحالها وأرجائها حيث شاؤوا وأين أرادوا ، وهم خالدون فيها أبدا ، لا يحولون ولا يزولون ولا يبغون عنها حولا .
وقوله : { لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ } أي : من الحيض والنفاس والأذى . والأخلاق الرذيلة ، والصفات الناقصة ، كما قال ابن عباس : مطهرة من الأقذار والأذى . وكذا قال عطاء ، والحسن ، والضحاك ، والنخعي ، وأبو صالح ، وعطية ، والسدي .
وقال مجاهد : مطهرة من البول والحيض والنخام والبزاق والمني والولد .
وقال قتادة : مطهرة من الأذى والمآثم ولا حيض ولا كلف .
وقوله : { وَنُدْخِلُهُمْ ظِلا ظَلِيلا } أي : ظلا عميقا كثيرا غزيرا طيبا أنيقا .
قال ابن جرير : حدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الرحمن - وحدثنا ابن المثنى ، حدثنا{[7766]} ابن{[7767]} جعفر - قالا حدثنا شعبة قال : سمعت أبا الضحاك يحدث ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها ، شجرة الخلد " {[7768]} .
{ وَالّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً لّهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مّطَهّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاّ ظَلِيلاً } . .
يعني بقوله جلّ ثناؤه : { وَالّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ } : والذين آمنوا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وصدّقوا بما أنزل الله على محمد مصدّقا لما معهم من يهود بني إسرائيل وسائر الأمم غيرهم . { وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ } يقول : وأدّوا ما أمرهم الله به من فرائضه ، واجتنبوا ما حرّم الله عليهم من معاصيه ، وذلك هو الصالح من أعمالهم . { سَنُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهارُ } يقول : سوف يدخلهم الله يوم القيامة جناتٍ ، يعني : بساتين { تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأَنْهَارُ } يقول : تجري من تحت تلك الجنات الأنهار . { خالِدِينَ فِيها أبَدا } يقول : باقين فيها أبدا بغير نهاية ولا انقطاع ، دائم ذلك لهم فيها أبدا . { لَهُمْ فِيها أزْوَاجٌ } يقول : لهم في تلك الجنات التي وصف صفتها { أزْوَاجٌ مُطَهّرَةٌ } يعني : بريئات من الأدناس والريب الحيض والغائط والبول والحبل والبصاق ، وسائر ما يكون في نساء أهل الدنيا .
وقد ذكرنا ما في ذلك من الأثار فيما مضى قبل ، وأغنى ذلك عن إعادتها . وأما قوله : { وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاّ ظَلِيلاً } فإنه يقول : وندخلهم ظلاّ كنينا ، كما قال جلّ ثناؤه : { وَظِلّ مَمْدُودٍ } . وكما :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، وحدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قالا جميعا ، حدثنا شعبة ، قال : سمعت أبا الضحاك يحدّث عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال : «إنّ فِي الجَنّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرّاكِبُ فِي ظِلّها مائَةَ عامٍ لا يَقْطَعُها ، شَجَرَةُ الخُلْدِ » .
قوله : { والذين آمنوا وعملوا الصالحات } ذكر هنا للمقابلة وزيادة الغيظ للكافرين . واقتصر من نعيم الآخرة على لذّة الجنّات والأزواج الصالحات ، لأنّهما أحبّ اللذّات المتعارفة للسامعين ، فالزوجة الصالحة آنس شيء للإنسان ، والجنّات مَحّل النعيم وحُسن المنظر .
وقوله : { وندخلهم ظِلاّ ظليلا } هو من تمام محاسن الجنّات ، لأنّ الظلّ إنّما يكون مع الشمس ، وذلك جمال الجنّات ولذّة التنعّم برؤية النور مع انتفاء حرّه . ووصف بالظليل وصفاً مشتقّاً من اسم الموصوف للدلالة على بلوغه الغاية في جنسه ، فقد يأتون بمثل هذا الوصف بوزن فعيل : كما هنا ، وقولهم : داء دويُّ ، ويأتون به بوزن أفْعل : كقولهم : لَيْلٌ ألْيَل ويَوْم أيْوَم ، ويأتون بوزن فَاعل : كقولهم : شِعْر شاعر ، ونَصَب نَاصِب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.