البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ لَّهُمۡ فِيهَآ أَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞۖ وَنُدۡخِلُهُمۡ ظِلّٗا ظَلِيلًا} (57)

{ والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيه أبداً } لما ذكر تعالى وعيد الكفار أعقب بوعد المؤمنين ، وجاءت جملة الكفار مؤكدة بأن على سبيل تحقيق الوعيد المؤكد ، ولم يحتج إلى ذلك في جملة المؤمنين ، وأتى فيها بالسين المشعرة بقصر مدة التنفيس على سبيل تقريب الخير من المؤمن وتبشيره به .

{ لهم فيها أزواج مطهرة } تقدم تفسير مثل هذا .

{ وندخلهم ظلاً ظليلاً } قال ابن عطية : أي يقي من الحر والبرد .

ويصح أن يريد أنه ظل لا ينتقل ، كما يفعل ظل الدنيا فأكده بقوله : ظليلاً لذلك ويصح أن يصفه بظليل لامتداده ، فقد قال عليه السلام : « إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر في ظلها مائة سنة ما يقطعها » انتهى كلامه .

وقال أبو مسلم الظليل : هو القوي المتمكن .

قال : ونعت الشيء بمثل ما اشتق من لفظه يكون مبالغة كقولهم : ليل أليل ، وداهية دهياء .

وقال أبو عبد الله الرازي : وإنما قال ظل ظليلاً لأن بلاد العرب في غاية الحرارة ، فكان الظل عندهم من أعظم أسباب الراحة ، ولهذا المعنى جعل كناية عن الراحة ووصفه بالظليل مبالغة في الراحة .

وقال الزمخشري : ظليل صفة مشتقة من لفظ الظل لتأكيد معناه ، كما يقال : ليل أليل ، ويوم أيوم ، وما أشبه ذلك وهو ما كان فينانا لا جوب فيه ، ودائماً لا تنسخه الشمس .

وسجسجاً لا حرّ فيه ولا برد ، وليس ذلك إلا ظل الجنة رزقنا الله بتوفيقه ما يزلف إليه التقيؤ تحت ذلك الظل .

وفي قراءة عبد الله : سيدخلهم بالياء انتهى .

وقال الحسن : قد يكون ظل ليس بظليل يدخله الحر والشمس ، فلذلك وصف ظل الجنة بأنه ظليل .

وعن الحسن : ظل أهل الجنة يقي الحر والسموم ، وظل أهل النار من يحموم لا بارد ولا كريم .

ويقال : إنّ أوقات الجنة كلها سواء اعتدال ، لا حر فيها ولا برد .

وقرأ النخعي وابن وثاب : سيدخلهم بالياء ، وكذا ويدخلهم ظلاً ، فمن قرأ بالنون وهم الجمهور فلاحظ قوله في وعيد الكفار : { سوف نصليهم } ومن قرأ بالياء لاحظ قوله : { إن الله كان عزيزاً حكيماً } فأجراه على الغيبة .

/خ57