السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ لَّهُمۡ فِيهَآ أَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞۖ وَنُدۡخِلُهُمۡ ظِلّٗا ظَلِيلًا} (57)

{ والذين آمنوا } أي : أقرّوا بالإيمان { وعملوا الصالحات سندخلهم } أي : بوعد لا خلف فيه ، وربما أفهم التنفيس لهم بالسين دون سوف كما في الكافرين أنهم أقصر الأمم مدّة أو أنهم أقصرهم أعماراً راحة لهم من دار الكدر إلى محل الصفاء وأنهم يدخلون الجنة قبل جميع الفرق الناجية من أهل الموقف { جنات } أي : بساتين ووصفها بما يديم بهجتها ويعظم نضرتها وزهرتها فقال : { تجري من تحتها الأنهار } أي : إنّ أرضها في غاية الري كل موضع صالح لأن يجري منه نهر .

ولما ذكر قيامها وما به دوامها أتبعه بما تهواه النفوس من استمرار الإقامة بها فقال { خالدين فيها أبداً } وإنما قدّم تعالى ذكر الكفار ووعيدهم ؛ على ذكر المؤمنين ووعدهم لأنّ الكلام فيهم وذكر المؤمنين بالعرض ، ولما وصف تعالى حسن الدار ذكر حسن الجار فقال تعالى : { لهم فيها أزواج مطهرة } أي : من الحيض والقذر .

فإن قيل : المطرد في وصف جمع القلة لمن يعقل أن يكون بالألف والتاء فيقال مطهرات ، أجيب : بأنه عدل عن ذلك إلى الوحدة لإفهام أنهنّ لشدّة الموافقة في الطهر كذات واحدة { وندخلهم } أي : فيها { ظلاً } عظيماً وأكده تعالى بقوله : { ظليلاً } أي : متصلاً لا فرج فيه منبسطاً لا ضيق معه دائماً لا تصيبه الشمس يوماً ما لا حرّ فيه ولا برد بل هو في غاية الاعتدال ، وهو ظل الجنة ، جعلنا الله تعالى ومن يحبنا ونحبه من أهلها السابقين مع النبيين والصدّيقين .