معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يسٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة يس مكية وآياتها ثلاث وثمانون .

قوله تعالى : { يس } وإن قرأ بإخفاء النون فيهما : ابن عامر ، و الكسائي ، و أبو بكر وورش . بخلف عنه ، في نون والقلم ، والباقون يظهرون فيهما . واختلفوا في تأويل { يس } حسب اختلافهم في حروف التهجي ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : قسم ، ويروى عنه أن معناه : يا إنسان ، بلغة طيء ، يعني : محمداً صلى الله عليه وسلم ، وهو قول الحسن ، و سعيد بن جبير ، وجماعة . وقال أبو العالية : يا رجل . وقال أبو بكر الوراق : يا سيد البشر .

   
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يسٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة يس مكية وآياتها ثلاث وثمانون

هذه السورة المكية ذات فواصل قصيرة . وإيقاعات سريعة . ومن ثم جاء عدد آياتها ثلاثاً وثمانين ، بينما هي أصغر وأقصر من سابقتها - سورة فاطر - وعدد آياتها خمس وأربعون .

وقصر الفواصل مع سرعة الإيقاع يطبع السورة بطابع خاص ، فتتلاحق إيقاعاتها ، وتدق على الحس دقات متوالية ، يعمل على مضاعفة أثرها ما تحمله معها من الصور والظلال التي تخلعها المشاهد المتتابعة من بدء السورة إلى نهايتها . وهي متنوعة وموحية وعميقة الآثار .

والموضوعات الرئيسية للسورة هي موضوعات السور المكية . وهدفها الأول هو بناء أسس العقيدة . فهي تتعرض لطبيعة الوحي وصدق الرسالة منذ افتتاحها : ( يس . والقرآن الحكيم . إنك لمن المرسلين . على صراط مستقيم . تنزيل العزيز الرحيم . . . ) . وتسوق قصة أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون ، لتحذر من عاقبة التكذيب بالوحي والرسالة ؛ وتعرض هذه العاقبة في القصة على طريقة القرآن في استخدام القصص لتدعيم قضاياه . وقرب نهاية السورة تعود إلى الموضوع ذاته : ( وما علمناه الشعر - وما ينبغي له - إن هو إلا ذكر وقرآن مبين لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين ) . .

كذلك تتعرض السورة لقضية الألوهية والوحدانية . فيجيء استنكار الشرك على لسان الرجل المؤمن الذي جاء من أقصى المدينة ليحاج قومه في شأن المرسلين وهو يقول : وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون ? أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون ? إني إذاً لفي ضلال مبين . . وقرب ختام السورة يجيء ذكر هذا الموضوع مرة أخرى : ( واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون . لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون ) . .

والقضية التي يشتد عليها التركيز في السورة هي قضية البعث والنشور ، وهي تتردد في مواضع كثيرة في السورة . تجيء في أولها : ( إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ) . . وتأتي في قصة أصحاب القرية ، فيما وقع للرجل المؤمن . وقد كان جزاؤها العاجل في السياق : ( قيل : ادخل الجنة . قال : يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ) . . ثم ترد في وسط السورة : ( ويقولون : متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ? ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون ) . . ثم يستطرد السياق إلى مشهد كامل من مشاهد القيامة . وفي نهاية السورة ترد هذه القضية في صورة حوار ( وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه . قال : من يحيي العظام وهي رميم ? قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم . .

هذه القضايا المتعلقة ببناء العقيدة من أساسها ، تتكرر في السور المكية . ولكنها تعرض في كل مرة من زاوية معينة ، تحت ضوء معين ، مصحوبة بمؤثرات تناسب جوها ، وتتناسق مع إيقاعها وصورها وظلالها .

هذه المؤثرات منتزعة في هذه السورة من مشاهد القيامة - بصفة خاصة - ومن مشاهد القصة ومواقفها وحوارها . ومن مصارع الغابرين على مدار القرون . ثم من المشاهد الكونية الكثيرة المتنوعة الموحية : مشهد الأرض الميتة تدب فيها الحياة . ومشهد الليل يسلخ منه النهار فإذا هو ظلام . ومشهد الشمس تجري لمستقر لها . ومشهد القمر يتدرج في منازله حتى يعود كالعرجون القديم . ومشهد الفلك المشحون يحمل ذرية البشر الأولين . ومشهد الأنعام مسخّرة للآدميين . ومشهد النطفة ثم مشهدها إنساناً وهو خصيم مبين ! ومشهد الشجر الأخضر تكمن فيه النار التي يوقدون !

وإلى جوار هذه المشاهد مؤثرات أخرى تلمس الوجدان الإنساني وتوقظه : منها صورة المكذبين الذين حقت عليهم كلمة الله بكفرهم فلم تعد تنفعهم الآيات والنذر : ( إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً فهي إلى الأذقان فهم مقمحون ؛ وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون ) . ومنها صورة نفوسهم في سرهم وفي علانيتهم مكشوفة لعلم الله لا يداريها منه ستار . . ومنها تصوير وسيلة الخلق بكلمة لا تزيد : ( إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له : كن . فيكون ) . . وكلها مؤثرات تلمس القلب البشري وهو يرى مصداقها في واقع الوجود .

ويجري سياق السورة في عرض موضوعاتها في ثلاثة أشواط :

يبدأ الشوط الأول بالقسم بالحرفين : يا . سين وبالقرآن الحكيم ، على رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه على صراط مستقيم . يتلو ذلك الكشف عن النهاية البائسة للغافلين الذين يكذبون . وهي حكم الله عليهم بألا يجدوا إلى الهداية سبيلاً ، وأن يحال بينهم وبينها أبداً . وبيان أن الإنذار إنما ينفع من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب ؛ فاستعد قلبه لاستقبال دلائل الهدى وموحيات الإيمان . . ثم يوجه رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إلى أن يضرب لهم مثلاً أصحاب القرية ، فيقص قصة التكذيب وعاقبة المكذبين . كما يعرض طبيعة الإيمان في قلب الرجل المؤمن وعاقبة الإيمان والتصديق . .

ومن ثم يبدأ الشوط الثاني بنداء الحسرة على العباد الذين ما يفتأون يكذبون كل رسول ويستهزئون به . غير معتبرين بمصارع المكذبين ، ولا متيقظين لآيات الله في الكون وهي كثير . . وهنا يعرض تلك المشاهد الكونية التي سبقت الإشارة إليها في تقديم السورة ، كما يعرض مشهداً مطولاً من مشاهد القيامة فيه الكثير من التفصيل .

والشوط الثالث يكاد يلخص موضوعات السورة كلها . فينفي في أوله أن ما جاء به محمد [ صلى الله عليه وسلم ] شعر ، وينفي عن الرسول كل علاقة بالشعر أصلاً . ثم يعرض بعض المشاهد واللمسات الدالة على الألوهية المتفردة ، وينعى عليهم اتخاذ آلهة من دون الله يبتغون عندهم النصر وهم الذين يقومون بحماية تلك الآلهة المدعاة ! . ويتناول قضية البعث والنشور فيذكرهم بالنشأة الأولى من نطفة ليروا أن إحياء العظام وهي رميم كتلك النشأة ولا غرابة ! ويذكرهم بالشجر الأخضر الذي تكمن فيه النار وهما في الظاهر بعيد من بعيد ! وبخلق السماوات والأرض وهو شاهد بالقدرة على خلق أمثالهم من البشر في الأولى والآخرة . . وأخيراً يجيء الإيقاع الأخير في السورة : ( إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له : كن . فيكون . فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون ) .

والآن نأخذ بعد هذا العرض المجمل في التفصيل . .

( يس . والقرآن الحكيم . إنك لمن المرسلين . على صراط مستقيم . تنزيل العزيز الرحيم . لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم فهم غافلون . لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون . إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً فهي إلى الأذقان فهم مقمحون . وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون . وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون . إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم . إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين . . )

يقسم الله سبحانه بهذين الحرفين : يا . سين كما يقسم بالقرآن الحكيم . وهذا الجمع بين الأحرف المقطعة والقرآن يرجح الوجه الذي اخترناه في تفسير هذه الأحرف في أوائل السور ؛ والعلاقة بين ذكرها وذكر القرآن . وأن آية كونه من عند الله ، الآية التي لا يتدبرونها فيردهم القرآن إليها ، أنه مصوغ من جنس هذه الأحرف الميسرة لهم ؛ ولكن نسقه التفكيري والتعبيري فوق ما يملكون صياغته من هذه الحروف .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يسٓ} (1)

مقدمة السورة:

[ وهي ]{[1]} مكية .

قال أبو عيسى الترمذي : حدثنا قتيبة وسفيان بن وَكِيع ، حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرُّؤاسي ، عن الحسن بن صالح ، عن هارون أبي محمد ، عن مقاتل بن حيان ، عن قتادة{[2]} ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن لكل شيء قلبا ، وقلب القرآن يس . ومَنْ قرأ يس كَتَبَ الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات » .

ثم قال : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حُميد بن عبد الرحمن . وهارون أبو محمد شيخ مجهول . وفي الباب عن أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه ، ولا يصح لضعف إسناده ، وعن أبي هريرة منظور فيه . {[3]}

أما حديث الصديق فرواه الحكيم الترمذي في كتابه نوادر الأصول . {[4]} وأما حديث أبي هريرة فقال{[5]} أبو بكر البزار : حدثنا عبد الرحمن بن الفضل ، حدثنا زيد - هو ابن الحباب - حدثنا حُميد - هو المكي ، مولى آل علقمة - عن عطاء - هو ابن أبي رباح - عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن لكل شيء قلبا ، وقلب القرآن يس » .

ثم قال : لا نعلم رواه إلا زيد ، عن حميد . {[6]}

وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، حدثنا حجاج بن محمد ، عن هشام بن زياد ، عن الحسن قال : سمعت أبا هريرة يقول{[7]} : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من قرأ يس في ليلة أصبح مغفورًا له . ومن قرأ : " حم " التي فيها الدخان أصبح مغفورًا له » . إسناد{[8]} جيد . {[9]}

وقال{[10]} ابن حبان في صحيحه : حدثنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم - مولى ثقيف - حدثنا الوليد بن شجاع بن الوليد السكوني ، حدثنا أبي ، حدثنا زياد بن خَيْثَمة ، حدثنا محمد بن جُحَادة ، عن الحسن ، عن جُنْدَب بن{[11]} عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من قرأ يس في ليلة ابتغاء وجه الله ، غفر له » . {[12]}

وقد قال{[13]} الإمام أحمد : حدثنا عارم ، حدثنا معتمر ، عن أبيه ، عن رجل ، عن أبيه ، عن معقل بن يَسَار ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «البقرة سِنام القرآن وذِرْوَته ، نزل مع كل آية منها ثمانون ملكا ، واستخرجت { اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } [ البقرة : 255 ] من تحت العرش فوصلت بها - أو : فوصلت بسورة البقرة - ويس قلب القرآن ، لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة ، إلا غفر له ، واقرؤوها على موتاكم » .

وكذا رواه النسائي في " اليوم والليلة " عن محمد بن عبد الأعلى ، عن معتمر بن سليمان ، به{[14]} .

ثم قال الإمام أحمد : حدثنا عارم ، حدثنا ابن المبارك ، حدثنا سليمان التيمي ، عن أبي عثمان - وليس بالنهدي - عن أبيه ، عن مَعْقِل بن يَسَار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اقرؤوها على موتاكم » - يعني : يس .

ورواه أبو داود ، والنسائي في " اليوم والليلة " وابن ماجه من حديث عبد الله بن المبارك ، به{[15]} إلا أن في رواية النسائي : عن أبي عثمان ، عن معقل بن يسار .

ولهذا قال بعض العلماء : من خصائص هذه السورة : أنها لا تقرأ عند أمر عسير إلا يسره الله . وكأن قراءتها عند الميت لتنزل الرحمة والبركة ، وليسهل{[16]} عليه خروج الروح ، والله أعلم .

قال الإمام أحمد ، رحمه الله : حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا صفوان قال : كان المشيخة يقولون : إذا قرئت - يعني يس - عند الميت خُفِّف عنه بها . {[17]}

وقال{[18]} البزار : حدثنا سلمة بن شبيب ، حدثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان ، عن أبيه ، عن عِكْرِمَة ، عن ابن عباس قال : قال النبي{[19]} صلى الله عليه وسلم : «لوددت أنها في قلب كل إنسان من أمتي » - يعني : يس . {[20]}

بسم الله الرحمن الرحيم

قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة في أول " سورة البقرة " ، ورُوي عن ابن عباس وعِكْرِمَة ، والضحاك ، والحسن وسفيان بن عُيَيْنَة{[24662]} أن " يس " بمعنى : يا إنسان .

وقال سعيد بن جبير : هو كذلك في لغة الحبشة .

وقال مالك ، عن زيد بن أسلم : هو اسم من أسماء الله تعالى .


[1]:زيادة من أ.
[2]:ورواه ابن مردويه وأبو الشيخ كما في الدر (3/270).
[3]:في د: "وأديت".
[4]:في د: "إنهم قالوا".
[5]:في د: "تكفروهما".
[6]:تفسير الطبري (11/228).
[7]:في د: "ومال".
[8]:في د: "أن يعذب".
[9]:في د: "اللهم إني أعوذ بك".
[10]:في د: "لا يحتسبون".
[11]:في د: "وجلس".
[12]:في د: "فإذا هو بسمكة".
[13]:في د: "الغالبة".
[14]:في د: "وضربوهما".
[15]:في ف، أ: "زاكية".
[16]:في ف: "قد بلغت مني" وهو خطأ.
[17]:في إسناده عاصم وقد تكلم فيه وشيخه مجهول. ورواه البخاري في صحيحه برقم (4569) ومسلم في صحيحه برقم (763) من طريق كريب عن ابن عباس بنحوه.
[18]:صحيح البخاري برقم (4725).
[19]:في جـ، ر، أ، و: "بيضاء".
[20]:في ت، ف، أ: "فذكره بنحوه".
[24662]:- في ت : "وعكرمة وغيرهما".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يسٓ} (1)

بسم الله الرحمَن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : { يسَ * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ } .

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : يس ، فقال بعضهم : هو قسم أقسم الله به ، وهو من أسماء الله . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : يس قال : فإنه قسم أقسمه الله ، وهو من أسماء الله .

وقال آخرون : معناه : يا رجل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا أبو تُمَيلة ، قال : حدثنا الحسين بن واقد ، عن يزيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله يس قال : يا إنسان ، بالحبشية .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن شرقيّ ، قال : سمعت عكرمة يقول : تفسير يس : يا إنسان .

وقال آخرون : هو مفتاح كلام افتتح الله به كلامه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : يس مفتاح كلام ، افتتح الله به كلامه .

وقال آخرون : بل هو اسم من أسماء القرآن . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يس قال : كلّ هجاء في القرآن اسم من أسماء القرآن .

قال أبو جعفر : وقد بيّنا القول فيما مضى في نظائر ذلك من حروف الهجاء بما أغنى عن إعادته وتكريره في هذا الموضع .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يسٓ} (1)

مقدمة السورة:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق

سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

( 36 )سورة يس مكية

وآيتها ثلاث وثمانون

هذه السورة مكية بإجماع إلا أن فرقة قالت إن قوله ' ونكتب ما قدموا وآثارهم ' [ يس : 12 ] نزلت في بني سلمة من الأنصار حين أرادوا أن يتركوا ديارهم وينتقلوا إلى جوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم ( دياركم تكتب آثاركم ) وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعروا المدينة{[1]} ، وعلى هذا فالآية مدنية وليس الأمر كذلك وإنما نزلت الآية بمكة ولكنه احتج بها عليهم في المدينة ووافقها قول النبي صلى الله عليه وسلم في المعنى فمن هنا قيل ذلك{[2]} ، وروى أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن لكل شيء قلبا وإن قلب القرآن يس{[3]} وروت عائشة رضي الله عنها أنه عليه السلام قال إن في القرآن سورة يشفع قارئها ويغفر لمستمعها وهي يس{[4]} وقال يحيى بن أبي كثير " من قرأ سورة يس ليلا لم يزل في فرح حتى يصبح ، وكذا في النهار " {[5]} ويصدق ذلك التجربة . .

بسم الله الرحمن الرحيم

أمال حمزة والكسائي الياء في { يس } غير مفرطين والجمهور يفتحونها ونافع وسط في ذلك ، وقوله تعالى : { يس } يدخل فيه من الأقوال ما تقدم في الحروف المقطعة في أوائل السور ، ويختص هذا بأقوال ، منها أن سعيد بن جبير قال : إنه اسم من أسماء محمد صلى الله عليه وسلم دليله { إنك لمن المرسلين } وقال السيد الحميري{[9763]} :

يا نفس لا تمحضي بالنصح جاهدة . . . على المودة إلا آل ياسينا{[9764]}

وقال ابن عباس : معناه يا إنسان بلسان الحبشة ، وقال أيضاً ابن عباس في كتاب الثعلبي : هو بلغة طيِّىء وذلك أنهم يقولون يا إيسان بمعنى إنسان ويجمعونه على أياسين فهذا منه ، وقالت فرقة : «يا » حرف نداء ، والسين مقامة مقام الإنسان انتزع منه حرف فأقيم مقامه ، ومن قال إنه اسم من أسماء السورة أو من أسماء القرآن فذلك من الأقوال المشتركة في أوائل جميع السور ، وقرأ جمهور القراء { يس } و { نون } [ القلم : 1 ] بسكون النون وإظهارها وإن كانت النون ساكنة تخفى مع الحروف فإنما هذا مع الانفصال ، وإن حق هذه الحروف المقطعة في الأوائل أن تظهر ، وقرأ عاصم وابن عامر بخلاف عنهما { يس والقرآن } بإدغام النون في الواو على عرف الاتصال ، وقرأ ابن أبي إسحاق بخلاف بنصب النون ، وهي قراءة عيسى بن عمرو رواها عن الغنوي ، وقال قتادة : { يس } قسم ، قال أبو حاتم : قياس هذا القول نصب النون كما تقول الله لأفعلن كذا ، وقرأ الكلبي بضمها وقال هي بلغة طيىء «يا إنسان » ، وقرأ أبو السمال وابن أبي إسحاق{[9765]} –بخلاف- بكسرها وهذه الوجوه الثلاثة هي للالتقاء ، وقال أبو الفتح ويحتمل الرفع أن يكون اجتزاء بالسين من «يا إنسان »{[9766]} ، وقال الزجاج النصب كأنه قال اتل يس وهو مذهب سيبويه على أنه اسم للسورة ، و { يس } مشبهة الجملة من الكلام فلذلك عدت آية بخلاف { طس }{[9767]} [ النحل : 14 ] ولم ينصرف { يس } للعجمة والتعريف ، و { الحكيم } المحكم ، فيكون فعيل بمعنى مفعل أي أحكم في مواعظه وأوامره ونواهيه ، ويحتمل أن يكون { الحكيم } بناء فاعل أي ذو الحكمة .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.
[3]:- أخرجه الإمام مالك في الموطأ المشهور بلفظ: (السبع المثاني القرآن العظيم الذي أعطيته) والترمذي وغيرهما، وخرج ذلك أيضا الإمام البخاري وغيره، عن أبي سعيد ابن المعلى في أول كتاب التفسير، وفي أول كتاب الفضائل بلفظ: (السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته). والسبع الطوال هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، فقوله: والسبع الطوال إلخ. رد على من يقول: إنما السبع المثاني.
[4]:- هو أبو هاشم المكي الليثي، وردت الرواية عنه في حروف القرآن، يروي عن أبيه ابن عمر.
[5]:- من الآية رقم (7) من سورة آل عمران.
[9763]:هو إسماعيل بن محمد بن يزيد بن مفرغ الحميري، شاعر إمامي متقدم. قال أبو عبيدة: أشعر المحدثين السيد الحميري وبشار، ولكن أخمل ذكر الحميري وصرف الناس عن رواية شعره لإفراطه في النيل من بعض الصحابة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ولد في (نعمان) وهو واد قريب من الفرات على أرض الشام، ونشأ بالبصرة، ومات ببغداد، وكان يشار إليه في التصوف والورع، وقد أجمع الكثير من أخباره المستشرق الفرنسي(باربيي دي مينار)، ولأبي بكر الصولي كتاب(أخبار السيد الحميري)، وكتب عنه كثيرون غيرهما كابن الحاشر، وابن أبان والجلودي.(الأغاني، وضوء المشكاة، والأعلام).
[9764]:ويروى:"لا تمحضي بالنصح جاهدة"، ومحض فلانا النصح أو الود: أخلصه إياه، وأمحضه النصح أيضا مثل محضه، والمحض من كل شيء: الخالص، وفي حديث الوسوسة:(ذلك محض الإيمان). وآل ياسين هم آل محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الشاهد في البيت.
[9765]:في بعض النسخ: "وقرأ أبو السماك، وابن أبي إسحاق".
[9766]:معنى أن الوجوه الثلاثة للالتقاء، أنها حركت لالتقاء الساكنين، وذلك أن الكلام مبني على الإدراج، لا على وقف حروف المعجم، فحرك لذلك، فمن فتح هرب إلى خفة الفتحة، ومن كسر جاء على الأصل في الحركة عند التقاء الساكنين، ومن ضم احتمل أن يكون لالتقاء الساكنين أيضا، واحتمل أن يكون اجتزاء بالسين، قال أبو الفتح:"أراد يا إنسان، إلا أنه اكتفى من جميع الاسم بالسين، فقال: ياسين، فـ(يا) فيه-على هذا- حرف نداء، كقولك: يا رجل، ونظير حذف بعض الاسم قول النبي صلى الله عليه وسلم(كفى بالسيف شا)، أي: شاهدا، فحذف العين واللام، وكذلك حذف من (إنسان) الفاء والعين"، وهناك احتمال ثالث في حالة الرفع، قال عنه أبو الفتح:"أن يكون على ما ذهب إليه الكلبي، وروينا فيه عن قطرب: فياليتني من بعد ما طاف أهلها هلكت ولم أسمع بها صوت إيسان ومعناه: صوت إنسان". وكذلك أن(الإيسان)لغة في الإنسان، وهي لغة طائية، هذا والبيت لعامر بن جرير، وهو في اللسان(أنس).
[9767]:من الآية(1) من سورة (النمل).