قوله تعالى : { قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مداً } ، هذا أمر بمعنى الخبر ، معناه : يدعه في طغيانه ويمهله في كفره ، { حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب } ، وهو الأسر والقتل في الدنيا ، { وإما الساعة } يعني : القيامة ، فيدخلون النار ، { فسيعلمون } عند ذلك { من هو شر مكاناً } منزلاً { وأضعف جنداً } ، أقل ناصراً أهم أم المؤمنون ؟ لأنهم في النار ، والمؤمنون في الجنة وهذا رد عليهم في قوله { أي الفريقين خير مقاماً وأحسن ندياً } .
{ 75 } { قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا }
لما ذكر دليلهم الباطل ، الدال على شدة عنادهم ، وقوة ضلالهم ، أخبر هنا ، أن من كان في الضلالة ، بأن رضيها لنفسه ، وسعى فيها ، فإن الله يمده منها ، ويزيده فيها حبا ، عقوبة له على اختيارها على الهدى ، قال تعالى : { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }
{ حَتَّى إِذَا رَأَوْا } أي : القائلون : { أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا } { مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ } بقتل أو غيره { وَإِمَّا السَّاعَةَ } التي هي باب الجزاء على الأعمال { فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا } أي : فحينئذ يتبين لهم بطلان دعواهم ، وأنها دعوى مضمحلة ، ويتيقنون أنهم أهل الشر ، { وَأَضْعَفُ جُنْدًا } ولكن لا يفيدهم هذا العلم شيئا ، لأنه لا يمكنهم الرجوع إلى الدنيا ، فيعملون غير عملهم الأول .
يعقب السياق بتلك اللفتة ثم يأمر الرسول [ ص ] أن يدعو عليهم في صورة مباهلة - بأن من كان من الفريقين في الضلالة فليزده الله مما هو فيه ؛ حتى يأتي وعده في الدنيا أو في الآخرة :
( قل : من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا ، حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا ، ويزيد الله الذين اهتدوا هدى والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا ) . .
فهم يزعمون أنهم أهدى من أتباع محمد [ ص ] لأنهم أغنى وأبهى . فليكن ! وليدع محمد ربه أن يزيد الضالين من الفريقين ضلالا ، وأن يزيد المهتدين منهما اهتداء . . حتى إذا وقع ما يعدهم ؛ وهو لا يعدو أن يكون عذاب الضالين في الدنيا بأيدي المؤمنين ، أو عذابهم الأكبر يوم الدين - فعندئذ سيعرفون : أي الفريقين شر مكانا وأضعف جندا .
القول في تأويل قوله تعالى { قُلْ مَن كَانَ فِي الضّلاَلَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرّحْمََنُ مَدّاً حَتّىَ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ إِمّا العَذَابَ وَإِمّا السّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرّ مّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد لهؤلاء المشركين بربهم ، القائلين : إذا تتلى عليهم آياتنا ، أيّ الفريقين منا ومنكم خير مقاما وأحسن نديا ، من كان منا ومنكم في الضلالة جائرا عن طريق الحقّ . سالكا غير سبيل الهدى ، فليمدد له الرحمن مدّا يقول : فليطوّل له الله في ضلالته ، وليمله فيها إملاء . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : فِي الضّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرّحْمَنُ مَدّا فليَدعْه الله في طغيانه .
وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
وقوله : حتى إذَا رَأوْا ما يُوعَدُونَ إمّا العَذَابَ وإمّا السّاعَةَ يقول تعالى ذكره : قل لهم : من كان منا ومنكم في الضلالة ، فليمدد له الرحمن في ضلالته إلى أن يأتيهم أمر الله ، إما عذاب عاجل ، أو يلقوا ربهم عند قيام الساعة التي وعد الله خلقه أن يجمعهم لها ، فإنهم إذا أتاهم وعد الله بأحد هذين الأمرين فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرّ مَكانا ومسكنا منكم ومنهم وأضْعَفُ جُنْدا أهم أم أنتم ؟ ويتبينون حينئذٍ أيّ الفريقين خير مقاما ، وأحسن نديا .
ثم بين أن تمتيعهم استدراج وليس بإكرام وإنما العيار على الفضل والنقص ما يكون في الآخرة بقوله : { قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمان مدا } فيمده ويمهله بطول العمر والتمتع به ، وإنما أخرجه على لفظ الأمر إيذانا إمهاله مما ينبغي أن يفعله استدراجا وقطعا لمعاذيره كقوله تعالى : { إنما نملي لهم ليزدادوا إثما } وكقوله { أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر } { حتى إذا رأوا ما يوعدون } غاية المد وقيل غاية قول الذين كفروا للذين آمنوا أي قالوا أي الفريقين حتى إذا رأوا ما يوعدون . { إما العذاب وإما الساعة } تفصيل للموعود فإنه إما العذاب في الدنيا وهو غلبة المسلمين عليهم وتعذيبهم إياهم قتلا وأسرا وإما يوم القيامة وما ينالهم فيه من الخزي والنكال . { فسيعلمون من هو شر مكانا } من الفريقين بأن عاينوا الأمر على عكس ما قدروه وعاد ما متعوا به خذلانا ووبالآ عليهم ، وهو جواب الشرط والجملة محكية بعد { حتى } . { وأضعف جندا } أي فئة وأنصارا قابل به أحسن نديا من حيث إن حسن النادي باجتماع وجوه القوم وأعيانهم وظهور شوكتهم واستظهارهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.