معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلۡأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُۥ مَكۡتُوبًا عِندَهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ يَأۡمُرُهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَىٰهُمۡ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَـٰٓئِثَ وَيَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَٰلَ ٱلَّتِي كَانَتۡ عَلَيۡهِمۡۚ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ مَعَهُۥٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (157)

156

قوله تعالى : { الذين يتبعون الرسول النبي الأمي } ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم . قال ابن عباس رضي الله عنهما : هو نبيكم ، كان أمياً لا يكتب ولا يقرأ ولا يحسب ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ) . وهو منسوب إلى الأم ، أي هو على ما ولدته أمه . وقيل : هو منسوب إلى أمته ، أصله أمتي ، سقطت التاء في النسبة كما سقطت في المكي والمدني ، وقيل : هو منسوب إلى أم القرى وهي مكة .

قوله تعالى : { الذي يجدونه } أي : يجدون صفته ونعته ونبوته .

قوله تعالى : { مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل } . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن سنان ، حدثنا فليح ، حدثنا هلال ، عن عطاء بن يسار قال : لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص ، فقلت : أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة ، قال : أجل والله ، إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن : ( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً ، وحرزاً للأميين ، أنت عبدي ورسولي ، سميتك المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ، ولا سخاب في الأسواق ، ولا يدفع بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويغفر ، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء ، بأن يقولوا : لا إله إلا الله ، ويفتح به أعيناً عمياً ، وآذاناً صماً ، وقلوباً غلفاً ) . تابعه عبد العزيز بن أبي سلمة .

وقال سعيد عن هلال عن عطاء عن ابن سلام ، أخبرنا الإمام الحسين بن محمد القاضي ، أنا أبو العباس عبد الله بن محمد بن هارون الطيسفوني ، أنا أبو الحسن محمد بن أحمد الترابي ، أنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عمر ابن بسطام ، أنا أبو الحسن أحمد بن سيار القرشي ، حدثنا عبد الله ابن عثمان ، عن أبي حمزة ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن عبد الله بن ضمرة عن كعب قال : إني أجد في التوراة مكتوباً : محمد رسول الله لا فظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح ، أمته الحمادون ، يحمدون الله في كل منزلة ، ويكبرونه على كل نجد ، يأتزرون على أنصافهم ، ويوضئون أطرافهم ، صفهم في الصلاة وصفهم في القتال سواء ، مناديهم ينادي في جو السماء ، لهم في جوف الليل دوي النحل ، مولده بمكة ، ومهاجره بطابة ، وملكه بالشام .

قوله تعالى : { يأمرهم بالمعروف } أي : بالإيمان .

قوله تعالى : { وينهاهم عن المنكر } أي : عن الشرك ، وقيل : المعروف : الشريعة والسنة ، والمنكر : مالا يعرف في شريعة ولا سنة ، وقال عطاء : { يأمرهم بالمعروف } بخلع الأنداد ، ومكارم الأخلاق ، وصلة الأرحام ، { وينهاهم عن المنكر } : عن عبادة الأوثان ، وقطع الأرحام .

قوله تعالى : { ويحل لهم الطيبات } يعني : ما كانوا يحرمونه في الجاهلية من البحيرة ، والسائبة ، والوصيلة ، والحام .

قوله تعالى : { ويحرم عليهم الخبائث } يعني : الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، والزنا وغيرها من المحرمات .

قوله تعالى : { ويضع عنهم إصرهم } ، قرأ ابن عامر ( آصارهم ) بالجمع ، والإصر : كل ما يثقل على الإنسان من قول أو فعل ، قال ابن عباس ، والحسن ، والضحاك ، والسدي ، ومجاهد ، يعني العهد الثقيل ، كان أخذ على بني إسرائيل بالعمل بما في التوراة . وقال قتادة : يعني التشديد الذي كان عليهم في الدين .

قوله تعالى : { والأغلال } ، يعني : الأثقال .

قوله تعالى : { التي كانت عليهم } ، وذلك مثل : قتل النفس في التوراة ، وقطع الأعضاء الخاطئة ، وقرض النجاسة عن الثوب بالمقراض ، وتعيين القصاص في القتل ، وتحريم أخذ الدية ، وترك العمل في السبت ، وأن صلاتهم لا تجوز إلا في الكنائس ، وغير ذلك من الشدائد ، شبهت بالأغلال التي تجمع اليد إلى العنق .

قوله تعالى : { فالذين آمنوا به } ، أي : بمحمد صلى الله عليه وسلم .

قوله تعالى : { وعزروه } . وقروه .

قوله تعالى : { ونصروه } على الأعداء .

قوله تعالى : { واتبعوا النور الذي أنزل معه } . يعني : القرآن .

قوله تعالى : { أولئك هم المفلحون } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلۡأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُۥ مَكۡتُوبًا عِندَهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ يَأۡمُرُهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَىٰهُمۡ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَـٰٓئِثَ وَيَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَٰلَ ٱلَّتِي كَانَتۡ عَلَيۡهِمۡۚ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ مَعَهُۥٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (157)

الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ احتراز عن سائر الأنبياء ، فإن المقصود بهذا محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم .

والسياق في أحوال بني إسرائيل وأن الإيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم شرط في دخولهم في الإيمان ، وأن المؤمنين به المتبعين ، هم أهل الرحمة المطلقة ، التي كتبها اللّه لهم ، ووصفه بالأمي لأنه من العرب الأمة الأمية ، التي لا تقرأ ولا تكتب ، وليس عندها قبل القرآن كتاب .

الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ باسمه وصفته ، التي من أعظمها وأجلها ، ما يدعو إليه ، وينهى عنه . وأنه يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وهو كل ما عرف حسنه وصلاحه ونفعه .

وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وهو : كل ما عرف قبحه في العقول والفطر .

فيأمرهم بالصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج ، وصلة الأرحام ، وبر الوالدين ، والإحسان إلى الجار والمملوك ، وبذل النفع لسائر الخلق ، والصدق ، والعفاف ، والبر ، والنصيحة ، وما أشبه ذلك ، وينهى عن الشرك باللّه ، وقتل النفوس بغير حق ، والزنا ، وشرب ما يسكر العقل ، والظلم لسائر الخلق ، والكذب ، والفجور ، ونحو ذلك .

فأعظم دليل يدل على أنه رسول اللّه ، ما دعا إليه وأمر به ، ونهى عنه ، وأحله وحرمه ، فإنه يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ من المطاعم والمشارب ، والمناكح .

وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ من المطاعم والمشارب والمناكح ، والأقوال والأفعال .

وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ أي : ومن وصفه أن دينه سهل سمح ميسر ، لا إصر فيه ، ولا أغلال ، ولا مشقات ولا تكاليف ثقال .

فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ أي : عظموه وبجلوه وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزلَ مَعَهُ وهو القرآن ، الذي يستضاء به في ظلمات الشك والجهالات ، ويقتدى به إذا تعارضت المقالات ، أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الظافرون بخير الدنيا والآخرة ، والناجون من شرهما ، لأنهم أتوا بأكبر أسباب الفلاح .

وأما من لم يؤمن بهذا النبي الأمي ، ويعزره ، وينصره ، ولم يتبع النور الذي أنزل معه ، فأولئك هم الخاسرون .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلۡأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُۥ مَكۡتُوبًا عِندَهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ يَأۡمُرُهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَىٰهُمۡ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَـٰٓئِثَ وَيَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَٰلَ ٱلَّتِي كَانَتۡ عَلَيۡهِمۡۚ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ مَعَهُۥٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (157)

138

( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل ؛ يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ، ويحل لهم الطيبات ، ويحرم عليهم الخبائث ، ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم . فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون ) .

وإنه لنبأ عظيم ، يشهد بأن بني إسرائيل قد جاءهم الخبر اليقين بالنبي الأمي ، على يدي نبيهم موسى ونبيهم عيسى - عليهما السلام - منذ أمد بعيد . جاءهم الخبر اليقين ببعثه ، وبصفاته ، وبمنهج رسالته ، وبخصائص ملته . فهو ( النبي الأمي ) ، وهو يأمر الناس بالمعروف وينهاهم عن المنكر ، وهو يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ، وهو يضع عمن يؤمنون به من بني إسرائيل الأثقال والأغلال التي علم الله أنها ستفرض عليهم بسبب معصيتهم ، فيرفعها عنهم النبي الأمي حين يؤمنون به . وأتباع هذا النبي يتقون ربهم ، ويخرجون زكاة أموالهم ، ويؤمنون بآيات الله . . وجاءهم الخبر اليقين بأن الذين يؤمنون بهذا النبي الأمي ؛ ويعظمونه ويوقرونه ، وينصرونه ويؤيدونه ، ويتبعون النور الهادي الذي معه ( أولئك هم المفلحون ) . .

وبذلك البلاغ المبكر لبني إسرائيل - على يد نبيهم موسى عليه السلام - كشف الله سبحانه عن مستقبل دينه ، وعن حامل رايته ، وعن طريق أتباعه ، وعن مستقر رحمته . . فلم يبق عذر لأتباع سائر الديانات السابقة ، بعد ذلك البلاغ المبكر بالخبر اليقين .

وهذا الخبر اليقين من رب العالمين لموسى عليه السلام - وهو والسبعون المختارون من قومه في ميقات ربه - يكشف كذلك عن مدى جريمة بني إسرائيل في استقبالهم لهذا النبي الأمي وللدين الذي جاء به . وفيه التخفيف عنهم والتيسير ، إلى جانب ما فيه من البشارة بالفلاح للمؤمنين !

إنها الجريمة عن علم وعن بينة ! والجريمة التي لم يألوا فيها جهداً . . فقد سجل التاريخ أن بني إسرائيل كانوا هم ألأم خلق وقف لهذا النبي وللدين الذي جاء به . . اليهود أولاً والصليبيون أخيراً . . وأن الحرب التي شنوها على هذا النبي ودينه وأهل دينه كانت حرباً خبيثة ماكرة لئيمة قاسية ؛ وأنهم أصروا عليها ودأبوا ؛ وما يزالون يصرون ويدأبون !

والذي يراجع - فقط - ما حكاه القرآن الكريم من حرب أهل الكتاب للإسلام والمسلمين - وقد سبق منه في سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة ما سبق - يطلع على المدى الواسع المتطاول الذي أداروا فيه المعركة مع هذا الدين في عناد لئيم !

والذي يراجع التاريخ بعد ذلك - منذ اليوم الذي استعلن فيه الإسلام بالمدينة ، وقامت له دولة - إلى اللحظة الحاضرة ، يدرك كذلك مدى الإصرار العنيد على الوقوف لهذا الدين وإرادة محوه من الوجود !

ولقد استخدمت الصهيونية والصليبية في العصر الحديث من ألوان الحرب والكيد والمكر أضعاف ما استخدمته طوال القرون الماضية . . وهي في هذه الفترة بالذات تعالج إزالة هذا الدين بجملته ؛ وتحسب أنها تدخل معه في المعركة الأخيرة الفاصلة . . لذلك تستخدم جميع الأساليب التي جربتها في القرون الماضية كلها - بالإضافة إلى ما استحدثته منها - جملة واحدة !

ذلك في الوقت الذي يقوم ممن ينتسبون إلى الإسلام ناس يدعون في غرارة ساذجة إلى التعاون بين أهل الإسلام وأهل بقية الأديان للوقوف في وجه تيار المادية والإلحاد ! أهل بقية الأديان الذين يذبحون من ينتسبون إلى الإسلام في كل مكان ؛ ويشنون عليهم حرباً تتسم بكل بشاعة الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش في الأندلس - سواء عن طريق أجهزتهم المباشرة في المستعمرات في آسيا وإفريقية أو عن طريق الأوضاع التي يقيمونها ويسندونها في البلاد [ المستقلة ! ] لتحل محل الإسلام عقائد ومذاهب علمانية ! تنكر " الغيبية " لأنها " علمية ! " و " تطوّر " الأخلاق لتصبح هي أخلاق البهائم التي ينزو بعضها على بعض في " حرية ! " ، و " تطوّر " كذلك الفقه الإسلامي ، وتقيم له مؤتمرات المستشرقين لتطويره . كيما يحل الربا والاختلاط الجنسي وسائر المحرمات الإسلامية ! !

إنها المعركة الوحشية الضارية يخوضها أهل الكتاب مع هذا الدين ، الذي بشروا به وبنبيه منذ ذلك الأمد البعيد . ولكنهم تلقوه هذا التلقي اللئيم الخبيث العنيد !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلۡأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُۥ مَكۡتُوبًا عِندَهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ يَأۡمُرُهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَىٰهُمۡ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَـٰٓئِثَ وَيَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَٰلَ ٱلَّتِي كَانَتۡ عَلَيۡهِمۡۚ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ مَعَهُۥٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (157)

القول في تأويل قوله تعالى : { الّذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِيّ الاُمّيّ الّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلّ لَهُمُ الطّيّبَاتِ وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلاَلَ الّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتّبَعُواْ النّورَ الّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } . .

وهذا القول إبانة من الله جلّ ثناؤه عن أن الذين وعد موسى نبيه عليه السلام أن يكتب لهم الرحمة التي وصفها جلّ ثناؤه بقوله : وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْءٍ هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، لأنه لا يعلم لله رسول وصف بهذه الصفة أعني الأميّ غير نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وبذلك جاءت الروايات عن أهل التأويل . ذكر من قال ذلك .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمران بن عيينة ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : فَسأَكْتُبُها للّذِينَ يَتّقُونَ قال : أمة محمد صلى الله عليه وسلم .

قال : ثنا زيد بن حُباب ، عن حماد بن سلمة ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : أمة محمد صلى الله عليه وسلم .

حدثنا أبو كريب وابن وكيع ، قالا : حدثنا يحيى بن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد ، في قوله : فَسأَكْتُبُها للّذِينَ يَتّقُونَ قال : أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال موسى عليه السلام : ليتني خُلقت في أمة محمد

حدثنا ابن حميد وابن وكيع ، قالا : حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير : فَسأَكْتُبُها للّذِينَ يَتّقُونَ قال : الذين يتبعون محمدا صلى الله عليه وسلم .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن ليث ، عن شهر بن حَوْشَب ، عن نَوْف الحميريّ ، قال : لما اختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقات ربه قال الله لموسى : أجعل لكم الأرض مسجدا وطَهُورا ، وأجعل السكينة معكم في بيوتكم ، وأجعلكم تقرءون التوراة عن ظهور قلوبكم ، يقرؤها الرجل منكم والمرأة والحرّ والعبد والصغير والكبير . فقال موسى لقومه : إن الله قد يجعل لكم الأرض طَهُورا ومسجدا . قالوا : لا نريد أن نصلي إلاّ في الكنائس . قال : ويجعل السكينة معكم في بيوتكم . قالوا : لا نريد إلاّ أن تكون كما كانت في التابوت . قال : ويجعلكم تقرءون التوراة عن ظهور قلوبكم ، ويقرؤها الرجل منكم والمرأة والحرَ والعبد الصغير والكبير . قالوا : لا نريد أن نقرأها إلاّ نظرا . فقال الله : فَسأَكْتُبُها للّذِينَ يَتّقُونَ وَيُؤْتَونَ الزّكاةَ . . . إلى قوله : أُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن نوف البِكاليّ ، قال : لما انطلق موسى بوفد بني إسرائيل كلمه الله ، فقال : إني قد بسطت لهم الأرض طَهورا ومساجد يصلون فيها حيث أدركتهم الصلاة إلاّ عند مرحاض أو قبر أو حمام ، وجعلت السكينة في قلوبهم ، وجعلتهم يقرءون التوراة عن ظهر ألسنتهم . قال : فذكر ذلك موسى لبني إسرائيل ، فقالوا : لا نستطيع حمل السكينة في قلوبنا ، فاجعلها لنا في تابوت ، ولا نقرأ التوراة إلاّ نظرا ، ولا نصلي إلاّ في الكنيسة فقال الله : فَسأَكْتُبُها للّذِينَ يَتّقُونَ وَيُؤْتَونَ الزّكاةَ . . . حتى بلغ : أُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ . قال : فقال موسى عليه السلام : يا رب اجعلني نبيهم قال : نبيهم منهم . قال : ربّ اجعلني منهم قال : لن تدركهم . قال : يا ربّ أتيتك بوفد بني إسرائيل ، فجعلت وفادتنا لغيرنا فأنزل الله : وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمّةٌ يُهْدُونَ بالحَقّ وبِهِ يَعْدِلُونَ . قال نوف البِكالي : فاحمدوا الله الذي حفظ غيبتكم ، وأخذ لكم بسهمكم ، وجعل وفادة بني إسرائيل لكم .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا معاذ بن هشام ، قال : ثني أبي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن نوف البِكالي بنحوه ، إلاّ أنه قال : فإني أنزل عليكم التوراة تقرءونها عن ظهر ألسنتكم ، رجالكم ونساؤكم وصبيانكم . قالوا : لا نصلي إلاّ في كنيسة ، ثم ذكر سائر الحديث نحوه .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، عن يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير : فَسأَكْتُبُها للّذِينَ يَتّقُونَ قال : أمة محمد صلى الله عليه وسلم .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : فَسأَكْتُبُها للّذِينَ يَتّقُونَ قال : هؤلاء أمة محمد صلى الله عليه وسلم .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : لما قيل : فَسأَكْتُبُها للّذِينَ يَتّقُونَ وَيُؤْتَونَ الزّكاةَ وَالّذِينَ هُمْ بآياتِنا يُؤْمِنُونَ تمنتها اليهود والنصارى ، فأنزل الله شرطا بَيّنا وثيقا ، فقال : الّذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِيّ الأُمّيّ وهو نبيكم صلى الله عليه وسلم كان أميّا لا يكتب .

وقد بيّنا معنى الأميّ فيما مضى بما أغنى عن إعادته .

وأما قوله : الّذِي يَجدُونَهُ مَكْتُوبا عنْدَهُمْ فِي التّوْرَاةِ والإنْجِيل فإن الهاء في قوله : يَجِدُونَهُ عائدة على الرسول ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم . كالذي :

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : الّذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِيّ الأُمّيّ هذا محمد صلى الله عليه وسلم .

حدثني ابن المثنى ، قال : حدثنا عثمان بن عمر ، قال : حدثنا فليح عن هلال بن عليّ ، عن عطاء بن يسار ، قال : لقيت عبد الله بن عمرو ، فقلت : أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة قال : أجل والله إنه لموصوف في التوراة كصفته في القرآن : يا أيّهَا النّبيّ إنّا أرْسلناكَ شاهِدا ومبشّرا ونذِيرا وحرزا للأميين ، أنت عبدي ورسولي ، سميتك المتوكل ، ليس بفظّ ولا غليظ ولا صخّاب في الأسواق ، ولا يَجْزِي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح ولن نقبضه حتى نقيم به الملة العوجاء ، بأن يقولوا : لا إله إلاّ الله ، فنفتح به قلوبا غُلْفا وآذانا صُمّا ، وأعينا عُمْيا . قال عطاء : ثم لقيت كعبا فسألته عن ذلك ، فما اختلفا حرفا ، إلاّ أن كعبا قال بلغته : قلوبا غُلُوفِيَا . وآذانا صموميا ، وأعينا عموميَا .

حدثني أبو كريب ، قال : حدثنا موسى بن داود ، قال : حدثنا فليح بن سليمان ، عن هلال بن عليّ ، قال : ثني عطاء ، قال : لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص ، فذكر نحوه . إلاّ أنه قال في كلام كعب : أعينا عُمُومَا ، وآذانا صُمُومَا ، وقلوبا غُلُوفَا .

قال : ثنا موسى ، قال : حدثنا عبد العزيز بن سلمة ، عن هلال بن عليّ ، عن عطاء بن يسار ، عن عبد الله بنحوه ، وليس فيه كلام كعب .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال الله : الّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبا عِنْدَهُمْ يقول : يجدون نعته وأمره ونبوّته مكتوبا عندهم .

القول في تأويل قوله تعالى : يَأْمُرُهُمْ بالمَعْرُوفِ ويَنْهاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ ويُحِلّ لَهُمُ الطّيِباتِ ويُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ والأَغْلالَ التي كانَتْ عَلَيْهِمْ .

يقول تعالى ذكره : يأمر هذا النبيّ الأميّ أتباعه بالمعروف ، وهو الإيمان بالله ولزوم طاعته فيما أمر ونهى ، فذلك المعروف الذي يأمرهم به ، وينهاهم عن المنكر وهو الشرك بالله ، والانتهاء عما نهاهم الله عنه .

وقوله : ويُحِلّ لَهُمُ الطّيّباتِ وذلك ما كانت الجاهلية تحرّمه من البحائر والسوائب والوصائل والحوامي . ويُحَرّمُ عَلَيهِمُ الخبَائِثَ وذلك لحم الخنزير والربا ، وما كانوا يستحلونه من المطاعم والمشارب التي حرّمها الله . كما :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : ويُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الخَبائِثَ وهو لحم الخنزير والربا ، وما كانوا يستحلونه من المحرّمات من المآكل التي حرّمها الله .

وأما قوله : وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ والأغْلالَ الّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم : يعني بالإصر : العده والميثاق الذي كان أخذه على بني إسرائيل بالعمل بما في التوراة . ذكر من قال ذلك .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جابر بن نوح ، عن أبي رَوْق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ قال : عهدهم .

قال : ثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : عهدهم .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، مثله .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن مبارك ، عن الحسن : وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ قال : العهود التي أعطوها من أنفسهم .

قال : ثنا ابن نمير ، عن موسى بن قيس ، عن مجاهد : وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ قال : عهدهم .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ والأغْلالَ التي كانَتْ عَلَيْهِمْ يقول : يضع عنهم عهودهم ومواثيقهم التي أخذت عليهم في التوراة والإنجيل .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ والأغْلالَ التي كانَتْ عَلَيْهِمْ ما كان الله أخذ عليهم من الميثاق فيما حرّم عليهم ، يقول : يضع ذلك عنهم .

وقال بعضهم : عني بذلك أنه يضع عمن اتبع نبيّ الله صلى الله عليه وسلم التشديد الذي كان على بني إسرائيل في دينهم . ذكر من قال ذلك .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ والأغْلالَ التي كانَتْ عَلَيْهِمْ فجاء محمد صلى الله عليه وسلم بإقالة منه وتجاوز عنه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد : وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ قال : البول ونحوه مما غلظ على بني إسرائيل .

قال : ثنا الحِمّاني ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ، قال : شدّة العمل .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال مجاهد ، قوله : وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ والأغْلالَ التي كانَتْ عَلَيْهِمْ قال : من اتبع محمدا ودينه من أهل الكتاب ، وضع عنهم ما كان عليهم من التشديد في دينهم .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن أشعث ، عن ابن سيرين ، قال : قال أبو هريرة لابن عباس : ما علينا في الدين من حرج أن نزني ونسرق ؟ قال : بلى ، ولكن الإصر الذي كان على بني إسرائيل وُضع عنكم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ قال : ، قال : قال أبو هريرة لابن عباس : ما علينا في الدين من حرج أن نزني ونسرق ؟ قال : بلى ، ولكن الإصر الذي كان على بني إسرائيل وُضع عنكم .

15242- حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " ويضع عنهم إصرهم " ، قال : إصرهم الذي جعله عليهم .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إنّ " الإصر " هو العهد وقد بينا ذلك بشواهده في موضعٍ غير هذا بما فيه الكفاية وأن معنى الكلام : ويضع النبيُّ الأميُّ العهدَ الذي كان الله أخذ على بني إسرائيل ، من إقامة التوراة والعملِ بما فيها من الأعمال الشديدة ، كقطع الجلد من البول ، وتحريم الغنائم ، ونحو ذلك من الأعمال التي كانت عليهم مفروضةً ، فنسخها حُكْم القرآن .

وأما " الأغلال التي كانت عليهم " ، فكان ابن زيد يقول بما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ قال : ها من الأعمال الشديدة كقطع الجلد من البول ، وتحريم الغنائم ، ونحو ذلك من الأعمال التي كانت عليهم مفروضة ، فنسخها حكم القرآن .

وأما الأغلال التي كانت عليهم ، فكان ابن زيد يقول بما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب عنه في قوله : والأغْلالَ التي كانَتْ عَلَيْهِمْ قال : الأغلال . وقرأ غُلّتْ أيْدِيهِمْ قال : تلك الأغلال ، قال : ودعاهم إلى أن يؤمنوا بالنبيّ ، فيضع ذلك عنهم .

القول في تأويل قوله تعالى : فالّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتّبَعُوا النّورَ الّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ .

يقول تعالى ذكره : فالذين صدّقوا بالنبيّ الأميّ ، وأقرّوا بنبوّته ، وعَزّرُوهُ يقول : وَقّروه وعظموه وحموه من الناس . كما :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : وعَزّروه يقول : حَموه ووقروه .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : ثني موسى بن قيس ، عن مجاهد : وَعَزّرُوهُ وَنَصَرُوهُ قال : عزّروه : سدّدوا أمره ، وأعانوا رسوله ونصروه .

وقوله نَصَرُوهُ يقول : وأعانوه على أعداء الله وأعدائه بجهادهم ونصب الحرب لهم . وَاتّبَعُوا النّورَ الّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ يعني القرآن والإسلام . أُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ يقول : الذين يفعلون هذه الأفعال التي وصف بها جلّ ثناؤه أتباع محمد صلى الله عليه وسلم هم المنجحون . المدركون ما طلبوا ورجوا بفعلهم ذلك .

حدثني بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : فما نقموا ، يعني اليهود إلاّ أن حسدوا نبيّ الله ، فقال الله : الّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزّرُوهُ وَنَصَرُوهُ فأما نصره وتعزيره فقد سُبقتم به ، ولكن خياركم من آمن بالله واتبع النور الذي أنزل معه .

يريد قتادة بقوله : «فما نقموا إلاّ أن حسدوا نبيّ الله » أن اليهود كان محمد صلى الله عليه وسلم بما جاء به من عند الله رحمة عليهم لو اتبعوه ، لأنه جاء بوضع الإصر والأغلال عنهم ، فحملهم الحسد على الكفر به وترك قبول التخفيف لغلبة خذلان الله عليهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلۡأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُۥ مَكۡتُوبًا عِندَهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ يَأۡمُرُهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَىٰهُمۡ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَـٰٓئِثَ وَيَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَٰلَ ٱلَّتِي كَانَتۡ عَلَيۡهِمۡۚ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ مَعَهُۥٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (157)

{ الذين يتبعون الرسول النبي } مبتدأ خبره يأمرهم ، أو خبر مبتدأ تقديره هم الذين ، أو بدل من الذين يتقون بدل البعض أو الكل ، والمراد من آمن منهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وإنما سماه رسولا بالإضافة إلى الله تعالى ونبيا بالإضافة إلى العباد . { الأمّيّ } الذي لا يكتب ولا يقرأ ، وصفه به تنبيها على أن كمال علمه مع حاله إحدى معجزاته . { الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل } اسما وصفة . { يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات } مما حرم عليهم كالشحوم . { ويحرّم عليهم الخبائث } كالدم ولحم الخنزير أو كالربا والرشوة . { ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم } ويخفف عنهم ما كلفوا به من التكاليف الشاقة كتعيين القصاص في العمد والخطأ ، وقطع الأعضاء الخاطئة وقرض موضع النجاسة ، وأصل الإصر الثقل الذي يأصر صاحبه أي يحبسه من الحراك لثقله . وقرأ ابن عامر " آصارهم " . { فالذين آمنوا به وعزّروه } وعظموه بالتقوية . وقرئ بالتخفيف وأصله المنع ومنه التعزير . { ونصروه } لي . { واتبعوا النور الذي أُنزل معه } أي مع نبوته يعني القرآن ، وإنما سماه نورا لأنه بإعجازه ظاهر أمره مظهر غيره ، أو لأنه كاشف الحقائق مظهر لها ، ويجوز أن يكون معه متعلقا باتبعوا أي واتبعوا النور المنزل مع اتباع النبي فيكون إشارة إلى اتباع الكتاب والسنة . { أولئك هم المفلحون } الفائزون بالرحمة الأبدية ، ومضمون الآية جواب دعاء موسى صلى الله عليه وسلم .