قوله تعالى : { سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم } ثم ذكر أهل العذر ، فقال جل ذكره : { ليس على الضعفاء } ، قال ابن عباس : يعني الزمني والمشايخ والعجزة . وقيل : هم الصبيان وقيل : النسوان ، { ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون } ، يعني الفقراء { حرج } ، مأثم . وقيل : ضيق في القعود عن الغزو ، { إذا نصحوا لله ورسوله } ، في مغيبهم وأخلصوا الإيمان والعمل لله وبايعوا الرسول . { ما على المحسنين من سبيل } ، أي : من طريق العقوبة ، { والله غفور رحيم } . قال قتادة : نزلت في عائذ بن عمرو وأصحابه . قال الضحاك : نزلت في عبد الله بن أم مكتوم وكان ضرير البصر .
{ لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ ْ } في أبدانهم وأبصارهم ، الذين لا قوة لهم على الخروج والقتال . { وَلَا عَلَى الْمَرْضَى ْ }
وهذا شامل لجميع أنواع المرض الذي{[379]} لا يقدر صاحبه معه على الخروج والجهاد ، من عرج ، وعمى ، وحمى ، وذات الجنب ، والفالج ، وغير ذلك .
{ وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ ْ } أي : لا يجدون زادا ، ولا راحلة يتبلغون بها في سفرهم ، فهؤلاء ليس عليهم حرج ، بشرط أن ينصحوا للّه ورسوله ، بأن يكونوا صادقي الإيمان ، وأن يكون من نيتهم وعزمهم أنهم لو قدروا لجاهدوا ، وأن يفعلوا ما يقدرون عليه من الحث والترغيب والتشجيع على الجهاد .
{ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ْ } أي : من سبيل يكون عليهم فيه تبعة ، فإنهم -بإحسانهم فيما عليهم من حقوق اللّه وحقوق العباد- أسقطوا توجه اللوم عليهم ، وإذا أحسن العبد فيما يقدر عليه ، سقط عنه ما لا يقدر عليه .
ويستدل بهذه الآية على قاعدة وهي : أن من أحسن على غيره ، في [ نفسه ]{[380]} أو في ماله ، ونحو ذلك ، ثم ترتب على إحسانه نقص أو تلف ، أنه غير ضامن لأنه محسن ، ولا سبيل على المحسنين ، كما أنه يدل على أن غير المحسن -وهو المسيء- كالمفرط ، أن عليه الضمان .
{ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ْ } ومن مغفرته ورحمته ، عفا عن العاجزين ، وأثابهم بنيتهم الجازمة ثواب القادرين الفاعلين .
وأخيرا يحدد التبعة . فليس الخروج ضربة لازب على من يطيقون ومن لا يطيقون . فالإسلام دين اليسر ولا يكلف اللّه نفسا إلا وسعها . والذين عجزوا عن النفرة لا تثريب عليهم ولا مؤاخذة لهم ، لأنهم معذورون :
( ليس على الضعفاء ولا على المرضى ، ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا للّه ورسوله . ما على المحسنين من سبيل ، واللّه غفور رحيم . ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون ) .
ليس على الضعفاء العاجزين عن القتال لعلة في تكوينهم ، أو لشيخوخة تقعدهم ؛ ولا على المرضى الذين لا يستطيعون الحركة والجهد ؛ ولا على المعدمين الذين لا يجدون ما يتزودون به . . ليس على هؤلاء حرج إذا تخلفوا عن المعركة في الميدان ، وقلوبهم مخلصة للّه ورسوله ، لا يغشون ولا يخدعون ، ويقومون بعد ذلك بما يستطيعونه - دون القتال - من حراسة أو صيانة أو قيام على النساء والذرية في دار الإسلام ، أو أعمال أخرى تعود بالنفع على المسلمين . ليس عليهم جناح ، وهم يحسنون بقدر ما يستطيعون ، فلا جناح على المحسنين ، إنما الجناح على المسيئين .
{ لّيْسَ عَلَى الضّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىَ الْمَرْضَىَ وَلاَ عَلَى الّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ للّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ } .
يقول تعالى ذكره : ليس على أهل الزمانة وأهل العجز عن السفر والغزو ، ولا على المرضى ، ولا على من لا يجد نفقة يتبلغ بها إلى مغزاه حرج ، وهو الإثم يقول : ليس عليهم إثم إذا نصحوا الله ولرسوله في مغيبهم عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . ما عَلى المُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ يقول : ليس على من أحسن فنصح الله ورسوله في تخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جهاد معه لعذر يعذر به طريق يتطرّق عليه فيعاقب من قبله . وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ يقول : والله ساتر على ذنوب المحسنين ، يتغمدها بعوفه لهم عنها ، رحيم بهم أن يعاقبهم عليها .
وذُكر أن هذه الآية نزلت في عائذ بن عمرو المزني . وقال بعضهم : في عبد الله بن مغفل . ذكر من قال نزلت في عائذ بن عمرو :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : لَيْسَ على الضّعَفَاءِ ولاَ على المَرْضى وَلا على الّذِينَ لاَ يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إذَا نَصَحُوا لِلّهِ ورَسُولِهِ نزلت في عائذ بن عمرو .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : لَيْسَ على الضّعَفاءِ وَلا على المَرْضَى . . . إلى قوله : حَزَنا أنْ لا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن ينبعثوا غازين معه ، فجاءته عصابة من أصحابه فيهم عبد الله بن مغفل المزني ، فقالوا : يا رسول الله احملنا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : «وَاللّهُ ما أجِدُ ما أحْمِلكُمْ عَلَيْهِ » فتولوا ولهم بكاء ، وعزّ عليهم أن يجلسوا عن الجهاد ولا يجدون نفقة ولا مَحملاً . فلما رأى الله حرصهم على محبته ومحبة رسوله ، أنزل عذرهم في كتابه ، فقال : لَيْسَ على الضّعَفاءِ وَلا على المَرْض ولا على الذين لا يجدون ما ينقفون حرج . إلى قوله فهم لا يعلمون .
{ ليس على الضعفاء ولا على المرضى } كالهرمى والزمنى . { ولا على الذين لا يجدون ما يُنفقون } لفقرهم كجهينة ومزينة وبني عذرة . { حرج } إثم في التأخر . { إذا نصحوا لله ورسوله } بالإيمان والطاعة في السر والعلانية كما يفعل الموالي الناصح ، أو بما قدروا عليه فعلا أو قولا يعود على الإسلام والمسلمين بالصلاح { ما على المحسنين من سبيل } أي ليس عليهم جناح ولا إلى معاتبتهم سبيل وإنما وضع المحسنين موضع الضمير للدلالة على أنهم منخرطون في سلك المحسنين غير معاتبين لذلك . { والله غفور رحيم } لهم أو للمسيء فكيف للمحسن .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.