غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{لَّيۡسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرۡضَىٰ وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ مِن سَبِيلٖۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (91)

90

ثم ذكر أن تكليف ساقط عن أصحاب الأعذار الحقيقية فقال { ليس على الضعفاء } وهم الذين في أبدانهم ضعف في أصل الخلقة أو لهرم { ولا على المرضى } ويدخل فيه أصحاب العمى والعرج والزمانة وكل من كان موصوفاً بمرض يمنعه من التمكن من المحاربة { ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون } في الغزو على أنفسهم { حرج } قيل : هم مزينة وجهينة وبنو عذرة ، وفيه دليل على أنه لا يحرم عليه الخروج إذا أمكنه الإعانة بمقدار القدرة كحفظ متاع المجاهدين وتكثير سوادهم وإنما يكون ذلك طاعة مقبولة منه إذا لم يجعل نفسه كلاً ووبالاً عليهم . ثم إنه شرط في جواز العقود النصح لله ورسوله ليحترزوا بعدهم عن إلقاء الإرجاف وإثارة الفتن ويقوموا على إصلاح مهمات بيوتهم . وبالجملة على كل ما له مدخل في طاعة الله ورسوله وموافقة السر العلن كما يفعل المولى . الناصح بصاحبه . ثم قال : { ما على المحسنين } أي المعذورين الناصحين { من سبيل } للعتاب والمؤاخذة . قال بعض أهل الظاهر كداود الأصفهاني وغيره : إن المحسن هو الآتي بالإحسان ورأس الإحسان وسنامه هو قول لا إله إلا الله محمد رسول الله . فهذا يدل على أن الملكف إذا تكلم بهذه الكلمة برئت ذمته عن مطالبة نفسه وماله إلا بدليل منفصل كما أن السلطان لو قال لأهل مملكته تكليفي عليكم كذا وكذا وبعد ذلك لا سبيل لأحد على أحد كان ذلك دليلاً على أنه لا تكليف عليهم فيما وراء ذلك لأن باب النفي لا نهاية له فلا ينضبط إلا بهذا الطريق . وعلى هذا لو ورد في القرآن ألف تكليف أو أقل أو أكثر كان ذلك تنصيصاً على أن التكاليف محصورة فيها وفيما وراءها ليس لله على الخلق تكليف وأمر ونهي ، وبهذا الطريق تصير الشريعة مضبوطة ويكون القرآن وافياً ببيان التكاليف والأحكام ، ولا حاجة إلى التمسك بالقياس لأن هذا النص دل على أن الأصل براءة الذمة . فإن كان القياس مفيداً للبراءة أيضاً فضائع ، وإن كان يفيد شغل الذمة صار مخصصاً لعموم النص ، وإنه لا يجوز لأن النص أقوى من القياس .

/خ99