السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لَّيۡسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرۡضَىٰ وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ مِن سَبِيلٖۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (91)

ولما بين سبحانه وتعالى الوعيد في حق من توهم العذر مع أنه لا عذر له ذكر أصحاب الأعذار الحقيقة وبين أن تكليف الله تعالى بالغزو والجهاد عنهم ساقط بقوله تعالى : { ليس على الضعفاء } كالشيوخ ومن خلق في أصل الفطرة ضعيفاً نحيفاً { ولا على المرضى } كالزمنى والعرج والعمي { ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون } في الجهاد { حرج } أي : إثم في التخلف عنه فنفى سبحانه وتعالى عن هذه الأقسام الثلاثة الحرج فيجوز لهم أن يتخلفوا عن الغزو وليس في الآية بيان أنه يحرم عليهم الخروج لأنّ الواحد من هؤلاء لو خرج ليعين المجاهدين بقدر قدرته إما لحفظ متاعهم أو لتكثير سوادهم بشرط أن لا يجعل نفسه كلاً ووبالاً عليهم كان ذلك طاعة مقبولة ثم إنه سبحانه وتعالى شرط في جواز هذا التأخر عن الغزو شرطاً بقوله : { إذا نصحوا ورسوله } في حال قعودهم بالإيمان والطاعة في السرّ والعلانية وأن يحترزوا عن إلقاء الإرجافات وعن إثارة الفتن ويسعوا في إيصال الخير إلى المجاهدين الذين سافروا إما أن يقوموا بإصلاح مهمات بيوتهم وإما أن يسعوا إلى إيصال الأخبار السارة من بيوتهم إليهم فإن جملة هذه الأمور جارية مجرى الإعانة على الجهاد وقوله تعالى : { ما على المحسنين } في موضع ما عليهم لبيان إحسانهم بنصحهم مع عذرهم { من سبيل } أي : طريق إلى ذمهم أو لومهم والمعنى أنه سدّ بإحسانه طريق العتاب ومن أعظم الإحسان من شهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله مخلصاً من قلبه فإن ما عليه من سبيل في نفسه وماله لإباحة الشرع بدليل منفصل إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، والمحسن هو الآتي بالإحسان ورأس أبواب الإحسان ورئيسها هو قول : لا إله إلا الله محمد رسول الله { والله غفور } أي : محاء للذنوب { رحيم } أي : بجميع عباده ، وفي ذلك إشارة إلى أن الإنسان محل التقصير وإن اجتهد فلا يسعه إلا العفو ولما ذكر الله سبحانه وتعالى الضعفاء والمرضى والفقراء وبين أنه يجوز لهم التخلف عن الجهاد بشرط أن يكونوا ناصحين لله ورسوله وهو كونهم محسنين وأنه ليس لأحد عليهم سبيل .