تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لَّيۡسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرۡضَىٰ وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ مِن سَبِيلٖۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (91)

وقوله تعالى : ( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ ) لو لم يذكر المرضى ولا الذين لا يجدون ما ينفقون لكان المفهوم من قوله ( ليس على الضعفاء ) المريض والذي لا يجد ما ينفق . وكذلك إذا ذكر المريض كان في ذكره ما يفهم منه كل ضعيف وكل ما لا يجد ما ينفق ، وفي كل حرف من هذا الحروف ما يفهم منه معنى الآخر . فلما ذكر دل أن المراد من ذكر الضعفاء الزمنى من نحو الأعمى والأعرج ، فكان كقوله : ( ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج )[ النور : 61 ] فتكون الآيتان واحدة ؛ أعني معناهما واحد .

وفيه دلالة أن ليس في ذكر عدد من الأشياء في ذكر عدد من الأشياء خطر دخول غير المذكور إذا كان في معناه . ولهذا قال أصحابنا : إن ليس في ما ذكر رسول الله عددا[ في الأصل وم : عددا ] في الربا بقوله «والحنطة بالحنطة والذهب بالذهب والفضل ربا »[ بنحوه مسلم1587 ] على أنه لا لمعنى ورد ، ولا تدخل فيه ما لم يذكر لما ذكرنا أنه لو ذكر الضعفاء لذكر المريض والأعمى والأعرج وجميع من ضعف عن الخروج من أنواع الأعذار .

ثم لم يدل ما ذكر من العدد وتخصيصه على أنه لا لمعنى ذكر فعلى ذلك خبر الربا .

ثم جعل العمى والعرج والمرض وعد النفقة ونحوه عذرا في ترك الخروج ، ولم يجعل شده الحر وبعد المسافة ونحوه عذرا بقوله : ( وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا )[ التوبة : 81 ] .

وأصله ، والله أعلم [ في وجهين :

أحدهما ][ ساقطة من الأصل وم ] : أن كل ما لم يعمل في المنع عن الخروج لشهوة أو لطمع ، يرجو نيله من التجارة ونحوها لم يكن ذلك عذرا في ترك الخروج ؛ إذ شدة الحر وبعد السفر وخوف العدو مما لا يمنعهم عن الخروج للتجارة ، فلم يصر ذلك عذرا لهم بالتخلف عن الخروج للجهاد . وأما حال المرض والزمانة وعدم النفقة يمنع ، ويعجزهم عن الخروج في كل ما يهوون ويشتهون ، صار ذلك عذرا لهم بالتخلف عن الخروج للجهاد .

والثاني : أن كل ما يقدر على دفعه بحال لم يجعل ذلك عذرا في التخلف ، وكل ما لا سبيل لهم إلى دفعه فهو عذر والحر وبعد السفر وخوف العدو يجوز أن يدفع ، فيصير كأن ليس [ عذرا ][ ساقطة من الأصل وم ] . وهو ما ذكر : ( قل نار جهنم أشد حرا )[ التوبة : 81 ] . فإذا ذكر شدة حر جهنم وبعد سفر الآخرة وأهواله هان عليه الخروج ، وسهل ، فارتفع ذلك فلذلك صار أحدهما عذرا ، والآخر لا ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( إذا نصحوا لله ورسوله ) قيل : لم يخدعوا أحدا في دينه ، ولم يغشوا في دنياه ، وقيل : ( إذا نصحوا لله ورسوله ) أي أطاعوا الله ورسوله في الحضرة ، ولم يتركوا طاعته .

وقوله تعالى : ( والله غفور رحيم ) بتركهم الخروج وتخلفهم عن الجهاد مع الأعذار .