الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{لَّيۡسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرۡضَىٰ وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ مِن سَبِيلٖۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (91)

وقرأ أبو حيوة : " نصحوا اللَّهَ " بدون لام ، وقد تقدم أن " نَصَح " يتعدَّى بنفسِه وباللام .

وقوله : { مِن سَبِيلٍ } فاعل بالجارِّ لاعتماده على النفي ، ويجوز أن يكونَ مبتدأً والجارُّ قبلَه خبرُه ، وعلى كلا القولين ف " مِنْ " مزيدةٌ فيه ، أي : ما على المحسنين سبيل .

قال بعضُهم : وفي هذه الآيةِ نوعٌ من البديع يسمى التمليح وهو : أن يُشارَ إلى قصةٍ مشهورة أو مثلٍ سائرٍ أو شعر نادر في فحوى كلامك من غير ذِكْره ، ومنه قوله :

2529 اليومَ خمرٌ ويبدو بعده خَبَرٌ *** والدهرُ مِنْ بين إنعامٍ وإبْآسِ

يشير لقول امرىء القيس لَمَّا بلغه قَتْلُ أبيه : " اليومَ خمرٌ وغداً أمره " ، وقول الآخر :

2530 فواللَّهِ ما أدري أأحلامُ نائمٍ *** أَلَمَّت بنا أم كان في الركب يوشَعُ

يُشير إلى قصة يوشع عليه السلام واستيقافه الشمس . وقول الآخر :

2531 لعَمْروٌ مع الرَّمْضاءِ والنارُ تَلْتَظِي *** أرقُّ وأَحْفَى منكَ في ساعة الكَرْبِ

أشار إلى البيت المشهور :

2532 المستجيرُ بعمروٍ عند كُرْبته *** كالمستجير مِنَ الرَّمْضاءِ بالنار

وكأن هذا الكلامَ وهو " ما على المحسنين من سبيل " اشتهُر ما هو بمعناه بين الناس ، فأشار إليه مِنْ غير ذكر لفظه . ولمَّا ذكر الشيخ التمليح لم يُقَيِّده بقوله " من غير ذكره " ولا بد منه ، لأنه إذا ذكره بلفظه كان اقتباساً وتضميناً .