محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{لَّيۡسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرۡضَىٰ وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ مِن سَبِيلٖۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (91)

[ 91 ] { ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم 91 } .

{ ليس على الضعفاء } وهم العاجزون مع الصحة ، عن العدوّ ، وتحمل المشاق ، كالشيخ والصبي والمرأة والنحيف { ولا على المرضى } أي العاجزين بأمر عرض لهم ، كالعمى والعرج والزمانة { ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون } أي ولا على الأقوياء والأصحاء الفقراء والعاجزين عن الإنفاق في السفر والسلاح { حرج } أي إثم في القعود . و ( الحرج ) أصل معناه الضيق ، ثم استعمل للذنب ، وهو المراد { إذا نصحوا لله ورسوله } أي أخلصوا الإيمان والعمل الصالح ، فلم يرجفوا ، ولم يثيروا الفتن ، وأوصلوا الخيرات للمجاهدين ، وقاموا بمصالح بيوتهم .

وقوله تعالى : { ما على المحسنين من سبيل } استئناف مقرر لمضمون ما سبق . أي ليس عليهم جناح ، ولا إلى معاتبتهم سبيل ، و { من } مزيدة للتأكيد ، ووضع { المحسنين } موضع الضمير ، للدلالة على انتظامهم ، بنصحهم لله ورسوله ، في سلك المحسنين ، أو تعليل لنفي الحرج عنهم ، أي ما على جنس المحسنين من سبيل ، وهم من جملتهم أفاده أبو السعود .

/ قال الشهاب : ( ليس على محسن سبيل ) ، كلام جار مجرى المثل . وهو إما عام ، ويدخل فيه من ذكر ، أو مخصوص بهؤلاء فالإحسان : النصح لله والرسول ، والإثم المنفيّ إثم التخلف ، فيكون تأكيدا لما قبله بعينه على أبلغ وجه ، وألطف سبك ، وهو من بليغ الكلام ، لأن معناه لا سبيل لعاتب عليه ، أي لا يمر به العاتب ، ويجوز في أرضه ، فما أبعد العتاب عنه ! فتفطن للبلاغة القرآنية كما قيل :

سقيا لأيامنا التي سلفت *** إذ لا يمر العذول في بلدي

وقوله تعالى : { والله غفور رحيم } تذييل مؤيد لمضمون ما ذكر ، مشير إلى أن بهم حاجة إلى المغفرة ، وإن كان تخلفهم بعذر- أفاده أبو السعود . أي لأن المرء لا يخلو من تفريط ما ، فلا يقال إنه نفى عنهم الإثم أولا ، فما الاحتياج إلى المغفرة المقتضية للذنب ؟ أفاده الشهاب .

/خ92