معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَدۡعُواْ لَمَن ضَرُّهُۥٓ أَقۡرَبُ مِن نَّفۡعِهِۦۚ لَبِئۡسَ ٱلۡمَوۡلَىٰ وَلَبِئۡسَ ٱلۡعَشِيرُ} (13)

قوله تعالى : { يدعو لمن ضره أقرب من نفعه } هذه الآية من مشكلات القرآن وفيها أسئلة : أولها قالوا : قد قال الله في الآية الأولى { يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه } وقال هاهنا : { لمن ضره أقرب } فكيف التوفيق بينهما ؟ قيل قوله في الآية الأولى { يدعو من دون الله ما لا يضره } أي : لا يضره ترك عبادته ، وقوله : { لمن ضره أقرب من نفعه } أي : ضر عبادته . فإن قيل : قد قال لمن ضره أقرب من نفعه ولا نفع في عبادة الصنم أصلاً . قيل : هذا على عادة العرب ، فإنهم يقولون لما لا يكون أصلاً : بعيد كقوله تعالى : { ذلك رجع بعيد } أي : لا رجع أصلاً ، فلما كان نفع الصنم بعيداً ، على معنى : أنه لا نفع فيه أصلاً ، قيل : ضره أقرب من نفعه ، لأنه كائن . السؤال الثالث : قوله { لمن ضره أقرب من نفعه } ما وجه هذه اللام . اختلفوا فيه ، فقال بعضهم : هي صلة ، مجازها : يدعو من ضره أقرب ، وكذلك قرأها ابن مسعود : يدعو بمعنى يقول : والخبر محذوف ، أي يقول : لمن ضره أقرب من نفعه هو إله . وقيل : معناه ( يدعو لمن ضره أقرب من نفعه ) يدعو ، فحذف يدعو الأخيرة اجتزاء بالأولى ، ولو قلت : يضرب لمن خيره أكثر من شره يضرب ، ثم يحذف الأخير جاز . وقيل : على التوكيد ، معناه : يدعو والله لمن ضره أقرب من نفعه . وقيل : يدعو من صلة قوله : { ذلك هو الضلال البعيد } يقول : ذلك هو الضلال البعيد يدعو ، ثم استأنف فقال : { لمن ضره أقرب من نفعه } فيكون ( ( من ) ) في محل رفع بالابتداء وخبره : { لبئس المولى } أي الناصر . وقيل : المعبود . { ولبئس العشير } أي : الصاحب والمخالط ، يعني : الوثن ، والعرب تسمي الزوج العشير لأجل المخالطة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَدۡعُواْ لَمَن ضَرُّهُۥٓ أَقۡرَبُ مِن نَّفۡعِهِۦۚ لَبِئۡسَ ٱلۡمَوۡلَىٰ وَلَبِئۡسَ ٱلۡعَشِيرُ} (13)

وأقبل على عبادة مخلوق مثله أو دونه ، ليس بيده من الأمر شيء بل هو إلى حصول ضد مقصوده أقرب ، ولهذا قال : { يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ } فإن ضرره في العقل والبدن والدنيا والآخرة معلوم { لَبِئْسَ الْمَوْلَى } أي : هذا المعبود { وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ } أي : القرين الملازم على صحبته ، فإن المقصود من المولى والعشير ، حصول النفع ، ودفع الضرر ، فإذا لم يحصل شيء من هذا ، فإنه مذموم ملوم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَدۡعُواْ لَمَن ضَرُّهُۥٓ أَقۡرَبُ مِن نَّفۡعِهِۦۚ لَبِئۡسَ ٱلۡمَوۡلَىٰ وَلَبِئۡسَ ٱلۡعَشِيرُ} (13)

( يدعو لمن ضره أقرب من نفعه )من وثن أو شيطان ، أو سند من بني الإنسان . . وهذا كله لا يملك ضرا ولا نفعا ؛ وهو أقرب لأن ينشأ عنه الضر . وضره أقرب من نفعه . ضره في عالم الضمير بتوزيع القلب ، وإثقاله بالوهم وإثقاله بالذل . وضره في عالم الواقع وكفى بما يعقبه في الآخرة من ضلال وخسران ( لبئس المولى )ذلك الضعيف لا سلطان له في ضر أو نفع ( ولبئس العشير )ذلك الذي ينشأ عنه الخسران . يستوي في ذلك المولى والعشير من الأصنام والأوثان ، والمولى والعشير من بني الإنسان ، ممن يتخذهم بعض الناس آلهة أو أشباه آلهة في كل زمان ومكان !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَدۡعُواْ لَمَن ضَرُّهُۥٓ أَقۡرَبُ مِن نَّفۡعِهِۦۚ لَبِئۡسَ ٱلۡمَوۡلَىٰ وَلَبِئۡسَ ٱلۡعَشِيرُ} (13)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَدْعُو لَمَنْ ضَرّهُ أَقْرَبُ مِن نّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَىَ وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ } .

يقول تعالى ذكره : يدعو هذا المنقلب على وجهه من أن أصابته فتنة آلهة لضرّها في الاَخرة له ، أقرب وأسرع إليه من نفعها . وذكر أن ابن مسعود كان يقرؤه : «يدعو مَنْ ضَرّه أقرب من نفعه » .

واختلف أهل العربية في موضع «مَنْ » ، فكان بعض نحوّيي البصرة يقول : موضعه نصب ب «يدعو » ، ويقول : معناه : يدعو لاَلهة ضرّها أقرب من نفعها ، ويقول : هو شاذّ لأنه لم يوجد في الكلام : يدعو لزيدا . وكان بعض نحويّي الكوفة يقول : اللام من صلة «ما » بعد «مَنْ » كأن معنى الكلام عنده : يدعو من لَضَرّه أقرب من نفعه وحُكي عن العرب سماعا منها : عندي لَمَا غيرُه خير منه ، بمعنى : عندي ما لغيره خير منه وأعطيتك لما غيرُه خير منه ، بمعنى : ما لغيره خير منه . وقال : جائز في كلّ ما لم يتبين فيه الإعراب الاعتراض باللام دون الاسم .

وقال آخرون منهم : جائز أن يكون معنى ذلك : هو الضلال البعيد يدعو فيكون «يدعو » صلة «الضلال البعيد » ، وتضمر في «يدعو » الهاء ثم تستأنف الكلام باللام ، فتقول لمن ضرّه أقرب من نفعه : لبئس المولى كقولك في الكلام في مذهب الجزاء : لَمَا فَعَلْتَ لَهُو خَيْر لك . فعلى هذا القول «من » في موضع رفع بالهاء في قوله «ضَرّه » ، لأن «مَنْ » إذا كانت جزاء فإنما يعربها ما بعدها ، واللام الثانية في «لبئس المولى » جواب اللام الأولى . وهذا القول الاَخر على مذهب العربية أصحّ ، والأوّل إلى مذهب أهل التأويل أقرب .

وقوله : لَبِئْسَ المَوْلَى يقول : لبئس ابن العمّ هذا الذي يعبد الله على حرف . وَلَبِئْسَ العَشِيرُ يقول : ولبئس الخليط المعاشر والصاحب ، هو ، كما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَلَبِئْسَ العَشِيرُ قال : العشير : هو المعاشر الصاحب .

وقد قيل : عني بالمولى في هذا الموضع : الوليّ الناصر .

وكان مجاهد يقول : عُني بقوله : لَبِئْسَ المَوْلَى وَلَبِئْسَ العَشِيرُ الوثن .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله » : وَلَبِئْسَ العَشِيرُ قال : الوثن .