معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكَ وَرَحۡمَتُهُۥ لَهَمَّت طَّآئِفَةٞ مِّنۡهُمۡ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيۡءٖۚ وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمۡ تَكُن تَعۡلَمُۚ وَكَانَ فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكَ عَظِيمٗا} (113)

قوله تعالى : { ولولا فضل الله عليك ورحمته } ، يقول للنبي صلى الله عليه وسلم .

قوله تعالى : { لهمت } ، لقد همت أي : أضمرت .

قوله تعالى : { طائفة منهم } ، يعني : قوم طعمة .

قوله تعالى : { أن يضلوك } يخطئوك في الحكم ، ويلبسوا عليك الأمر ، حتى تدافع عن طعمة .

قوله تعالى : { وما يضلون إلا أنفسهم } ، يعني يرجع وباله عليهم .

قوله تعالى : { وما يضرونك من شيء } ، يريد أن ضرره يرجع إليهم .

قوله تعالى : { وأنزل الله عليك الكتاب } ، يعني : القرآن .

قوله تعالى : { والحكمة } ، يعني : القضاء بالوحي .

قوله تعالى : { وعلمك ما لم تكن تعلم } من الأحكام ، وقيل : من علم الغيب .

قوله تعالى : { وكان فضل الله عليك عظيماً } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكَ وَرَحۡمَتُهُۥ لَهَمَّت طَّآئِفَةٞ مِّنۡهُمۡ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيۡءٖۚ وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمۡ تَكُن تَعۡلَمُۚ وَكَانَ فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكَ عَظِيمٗا} (113)

ثم ذكر منته على رسوله بحفظه وعصمته ممن أراد أن يضله فقال : { وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ } وذلك أن هذه الآيات الكريمات قد ذكر المفسرون أن سبب نزولها : أن أهل بيت سرقوا في المدينة ، فلما اطلع على سرقتهم خافوا الفضيحة ، وأخذوا سرقتهم فرموها ببيت من هو بريء من ذلك .

واستعان السارق بقومه أن يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويطلبوا منه أن يبرئ صاحبهم على رءوس الناس ، وقالوا : إنه لم يسرق وإنما الذي سرق من وجدت السرقة ببيته وهو البريء . فهَمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبرئ صاحبهم ، فأنزل الله هذه الآيات تذكيرا وتبيينا لتلك الواقعة وتحذيرا للرسول صلى الله عليه وسلم من المخاصمة عن الخائنين ، فإن المخاصمة عن المبطل من الضلال ، فإن الضلال نوعان :

ضلال في العلم ، وهو الجهل بالحق . وضلال في العمل ، وهو العمل بغير ما يجب . فحفظ الله رسوله عن هذا النوع من الضلال [ كما حفظه عن الضلال في الأعمال ]{[231]}

وأخبر أن كيدهم ومكرهم يعود على أنفسهم ، كحالة كل ماكر ، فقال : { وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ } لكون ذلك المكر وذلك التحيل لم يحصل لهم{[232]} فيه مقصودهم ، ولم يحصل لهم  إلا الخيبة والحرمان والإثم والخسران . وهذه{[233]}  نعمة كبيرة على رسوله صلى الله عليه وسلم تتضمن النعمة بالعمل ، وهو التوفيق لفعل ما يجب ، والعصمة له عن كل محرم .

ثم ذكر نعمته عليه بالعلم فقال : { وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } أي : أنزل عليك هذا القرآن العظيم والذكر الحكيم الذي فيه تبيان كل شيء وعلم الأولين والآخِرين .

والحكمة : إما السُّنَّة التي قد قال فيها بعض السلف : إن السُّنَّة تنزل عليه كما ينزل القرآن .

وإما معرفة أسرار الشريعة الزائدة على معرفة أحكامها ، وتنزيل الأشياء منازلها وترتيب كل شيء بحسبه .

{ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ } وهذا يشمل جميع ما علمه الله تعالى . فإنه صلى الله عليه وسلم كما وصفه الله قبل النبوة بقوله : { مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ } { وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى }

ثم لم يزل يوحي الله إليه ويعلمه ويكمله حتى ارتقى مقاما من العلم يتعذر وصوله على الأولين والآخرين ، فكان أعلم الخلق على الإطلاق ، وأجمعهم لصفات الكمال ، وأكملهم فيها ، ولهذا قال : { وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا } ففضله على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من فضله على كل مخلوق{[234]}

وأجناس الفضل الذي قد فضله الله به لا يمكن استقصاؤها{[235]}  ولا يتيسر إحصاؤها{[236]}


[231]:- زيادة من هامش ب.
[232]:- في النسختين: له وقد غيرتها للتوافق مع ما سبق من الضمائر.
[233]:- في النسختين: وهذا.
[234]:- في ب: الخلق.
[235]:- في النسختين: استقصاؤه، وقد عدلت في ب، ولعل الصواب ما أثبت.
[236]:- في النسختين: إحصاؤه، وقد عدلت في ب، ولعل الصواب ما أثبت.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكَ وَرَحۡمَتُهُۥ لَهَمَّت طَّآئِفَةٞ مِّنۡهُمۡ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيۡءٖۚ وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمۡ تَكُن تَعۡلَمُۚ وَكَانَ فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكَ عَظِيمٗا} (113)

105

وأخيرا يمن الله على رسوله [ ص ] أن عصمه من الانسياق وراء المتأمرين المبيتين ؛ فأطلعه على مؤامراتهم التي يستخفون بها من الناس ولا يستخفون بها من الله - وهو معهم إذ يبيتون مالا يرضى من القول - ثم يمتن عليه المنة الكبرى في إنزال الكتاب والحكمة وتعليمه ما لم يكن يعلم . . وهي المنة على البشرية كلها ، ممثلة ابتداء في شخص أكرمها على الله وأقربها لله :

( ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك . وما يضلون إلا أنفسهم . وما يضرونك من شيء . وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة . وعلمك ما لم تكن تعلم . وكان فضل الله عليك عظيمًا ) .

إن هذه المحاولة ليست إلا واحدة من محاولات كثيرة ، شتى الألوان والأنواع ؛ مما بذله أعداء هذا الرسول الكريم ليضلوه عن الحق والعدل والصواب . ولكن الله - سبحانه - كان يتولاه بفضله ورحمته في كل مرة . وكان الكائدون المتأمرون هم الذين يضلون ويقعون في الضلالة . . وسيرة رسول الله [ ص ] حافلة بتلك المحاولات ؛ ونجاته وهدايته ؛ وضلال المتأمرين وخيبتهم .

والله - سبحانه - يمتن عليه بفضله ورحمته هذه ؛ ويطمئنه في الوقت ذاته أنهم لا يضرونه شيئا . بفضل من الله ورحمة .

وبمناسبة المنة في حفظه من هذه المؤامرة الأخيرة ؛ وصيانة أحكامه من أن تتعرض لظلم برىء وتبرئة جارم ، وكشف الحقيقة له وتعريفه بالمؤامرة . . تجى ء المنة الكبرى . . منة الرسالة :

وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم . وكان فضل الله عليك عظيمًا .

وهي منة الله على " الإنسان " في هذه الأرض . المنة التي ولد الإنسان معها ميلادا جديدا . ونشأ بها " الإنسان " كما نشأ أول مرة بنفخة الروح الأولى . .

المنة التي التقطت البشرية من سفح الجاهلية ، لترقى بها في الطريق الصاعد ، إلى القمة السامقة . عن طريق المنهج الرباني الفريد العجيب . .

المنة التي لا يعرف قدرها إلا الذي عرف الإسلام وعرف الجاهلية - جاهلية الغابر والحاضر - وذاق الإسلام وذاق الجاهلية . .

وإذا كانت منة يذكر الله بها رسوله [ ص ] فلأنه هو أول من عرفها وذاقها . وأكبر من عرفها وذاقها . وأعرف من عرفها وذاقها . .

وعلمك ما لم تكن تعلم . وكان فضل الله عليك عظيمًا .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكَ وَرَحۡمَتُهُۥ لَهَمَّت طَّآئِفَةٞ مِّنۡهُمۡ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيۡءٖۚ وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمۡ تَكُن تَعۡلَمُۚ وَكَانَ فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكَ عَظِيمٗا} (113)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمّتْ طّآئِفَةٌ مّنْهُمْ أَن يُضِلّوكَ وَمَا يُضِلّونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً } . .

يعني بقوله جلّ ثناؤه : { وَلَوْلا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ } ولولا أن الله تفضل عليك يا محمد فعصمك بتوفيقه وتبيانه لك أمر هذا الخائن ، فكففت لذلك عن الجدال عنه ، ومدافعة أهل الحقّ عن حقهم قبله¹ { لَهَمّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ } يقول : لهمت فرقة منهم ، يعني من هؤلاء الذين يختانون أنفسهم ، { أنْ يُضِلّوكَ } يقول : يزلوك عن طريق الحق ، وذلك لتلبيسهم أمر الخائن عليه صلى الله عليه وسلم وشهادتهم للخائن عنده بأنه بريء مما ادّعى عليه ، ومسألتهم إياه أن يعذره ويقوم بمعذرته في أصحابه ، فقال الله تبارك وتعالى : وما يضلّ هؤلاء الذين هموا بأن يضلوك عن الواجب من الحكم في أمر هذا الخائن درع جاره ، إلا أنفسهم .

فإن قال قائل : ما كان وجه إضلالهم أنفسهم ؟ قيل : وجه إضلالهم أنفسهم : أخذهم بها في غير ما أباح الله لهم الأخذ بها فيه من سبله ، وذلك أن الله جلّ ثناؤه قد كان تقدم إليهم فيما تقدم في كتابه على لسان رسوله إلى خلقه بالنهي عن أن يتعاونوا على الإثم والعدوان والأمر بالتعاون على الحقّ ، فكان من الواجب لله فيمن سعى في أمر الخائنين الذين وصف الله أمرهم بقوله : { وَلا تَكُنْ للخائِنِينَ خَصِيما } معاونة من ظلموه دون من خاصمهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلب حقه منهم ، فكان سعيهم في معونتهم دون معونة من ظلموه ، أخذا منهم في غير سبيل الله ، وذلك هو إضلالهم أنفسهم ، الذي وصفه الله فقال : { وَما يُضِلّونَ إلاّ أنْفُسَهُمْ وَما يَضُرّونَكَ مِنْ شَيْءٍ } وما يضرّك هؤلاء الذين هموا لك أن يزلوك عن الحقّ في أمر هذا الخائن من قومه وعشيرته من شيء ، لأن الله مثبتك ومسدّدك في أمورك ومبين لك أمر من سعوا في ضلالك عن الحقّ في أمره وأمرهم ، ففاضحه وإياهم .

وقوله : { وأنْزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الكِتابَ والحِكْمَةَ } يقول : ومن فضل الله عليك يا محمد مع سائر ما تفضل به عليك من نعمه ، أنه أنزل عليك الكتاب ، وهو القرآن الذي فيه بيان كل شيء ، وهدى وموعظة ، { والحِكْمَةَ } : يعني وأنزل عليك مع الكتاب الحكمة ، وهي ما كان في الكتاب مجملاً ذكره ، من حلاله وحرامه ، وأمره ونهيه وأحكامه ، ووعده ووعيده . { وَعَلّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ } من خبر الأوّلين والاَخرين ، وما كان ، وما هو كائن قبل ، ذلك من فضل الله عليك يا محمد مذ خلقك ، فاشكره على ما أولاك من إحسانه إليك بالتمسك بطاعته ، والمسارعة إلى رضاه ومحبته ، ولزوم العمل بما أنزل إليك في كتابه وحكمته ، ومخالفة من حاول إضلالك عن طريقه ومنهاج دينه ، فإن الله هو الذي يتولاك بفضله ، ويكفيك غائلة من أرادك بسوء وحاول صدّك عن سبيله ، كما كفاك أمر الطائفة التي همت أن تضلك عن سبيله في أمر هذا الخائن ، ولا أحد من دونه ينقذك من سوء إن أراد بك إن أنت خالفته في شيء من أمره ونهيه واتبعت هوى من حاول صدّك عن سبيله . وهذه الاَية تنبيه من الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم على موضع حظه ، وتذكير منه له الواجب عليه من حقه .