تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكَ وَرَحۡمَتُهُۥ لَهَمَّت طَّآئِفَةٞ مِّنۡهُمۡ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيۡءٖۚ وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمۡ تَكُن تَعۡلَمُۚ وَكَانَ فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكَ عَظِيمٗا} (113)

الآية 113

وقوله تعالى : { ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك } قال أكثر أهل التأويل : نزلت هذه الآية في شأن طعمه( بين أبيرق ){[6500]} الذي سرق درع جار له بالذي سبق ذكره ، وقالوا : { ولولا فضل الله عليك ورحمته } لهم{[6501]} قوم طعمة ( بن أبيرق ){[6502]} أن يضلوك أي يخطئوك . وليس هو الإضلال في الدين . ولكن إن كان ما قالوا فهو تخطئة الحكم .

ويحتمل قوله : { أن يضلوك }أن{[6503]} يجهلوك في حكم السرقة ، ويجوز أن يكون جاهلا في سرقته لما لم ( يدر أنه سرق ، وكاد ){[6504]} يصدقه في الحكم أنه لم يسرق ؛ لأنه إنما كان يعلم الأشياء بالوحي ، ثم أعلم أنه قد سرق .

ويحتمل أن تكون الآية في الكفار كلهم ، لأن الكفرة والمنافقين لمن يزالوا يريدون{[6505]} أن يضلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الهدى ، ويصرفوه{[6506]} عنه كقوله تعالى : { ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء }( النساء : 89 ) وكقوله تعالى : { ود كثير من أهل الكتاب لم يردونكم من بعد إيمانكم كفارا } ( البقرة : 109 ) .

ثم يحتمل قوله تعالى : { ولولا فضل الله عليك } ( وجهين :

أحدهما : حين عصمك ){[6507]} بالنبوة . وإلا لأضلوك عن سبيل الله ؛ ( وهو ){[6508]} الهدى كقوله تعالى : { ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا } ( الإسراء : 74 ) .

والثاني : { ولولا فضل الله عليك ورحمته } حين أعلمك بالحكم في ذلك ، ونصرك به بالوحي ، وصرفك عن تصديق ذلك الخائن أو تثبيت{[6509]} ما قالوا ، وإلا لهموا أن يخطئوك {[6510]} ، ويجهلوك فيه .

ثم في الآية ، نقض قول المعتزلة لأنه من على رسوله صلى الله عليه وسلم أنه عصمه ، وهم يقولون : كان عليه أن يعصمه ، وهو كان يستحق ذلك قبله . فلو كان عليه ذلك لم يكن للامتنان عليه بذلك معنى ؛ إذ فعل ما كان عليه ذلك ، لم يفعل أنه مفضل . دل أنه ليس كما قالوا ، وبالله التوفيق والعصمة .

( وقوله تعالى ){[6511]} : { ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك } يخرج على وجهين :

أحدهما : يكفهم عما هموا .

والثاني : يعصمه عما راموا فه : أن يظفروا منه بعد أن أظهروا ما طلبوا .

وقوله تعالى : { يضلوك } يجهلوك الحكم بالتلبيس وأنواع التمويه ؛ يرجع ذلك إلى ( أمرين ؛

أحدهما : الزلة ){[6512]} .

والثاني : أن يكون الإضلال عن السبيل والحيل في الصرف عن الحق ، وهذا هو الذي لم يزل أعداء الله يقصدون برسول الله وبجميع أهل الخير .

فكفهم بوجهين : يتوجه كل وجه إلى وجهين :

أحدهما : ظواهر الأسباب من الوحي .

( والثاني : الآيات ){[6513]} ، وكذا في كفهم مرة بالقتال والأسباب الظاهرة ، ومرة باللطف والعصمة . وسمى ذلك فضلا ورحمة ايعرف أن ذلك فضله ، ليس {[6514]} حقا قبله ، إذ ليس بذل الحقوق الحقوق يعد في الفضائل .

وقوله تعالى : { وما يضلون إلا أنفسهم } لا ( أحد يقصد ){[6515]} إضلال نفسه ، لكن لما رجع حاصل ذلك الإضلال إلى أنفسهم ، كأنهم{[6516]} ضلوا أنفسهم .

وقوله تعالى : { وما يضرونك من شيء } أمن رسوله من ضرر أولئك كقوله تعالى : { والله يعصمك من الناس } ( المائدة : 67 ) .

وقوله تعالى : { وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة } قد ذكرنا في غير موضع .

وقوله تعالى : { وعلمك ما لم تكن تعلم } من الحلال والحرام والأحكام كلها وغير ذلك كقوله تعالى : { ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان }( الشورى : 52 ) فهو كذلك كان .

وقوله تعالى : { وكان فضل الله عليك عظيما } في ما علمك من الأحكام ، وعصمك بالنبوة والرسالة ، وصرف عنك ضرر الأعداء ، والله أعلم .


[6500]:ساقطة من الأصل وم.
[6501]:في الأصل وم: لقد هم.
[6502]:ساقطة من الأصل وم.
[6503]:في الأصل وم: أي.
[6504]:في الأصل: يدرك أنه وكان، في م: يدر أنه سرق وكان.
[6505]:أدرج قبلها في الأصل وم: كانوا.
[6506]:في الأصل وم: ويصرفوا.
[6507]:في الأصل وم: حيث عصمكم.
[6508]:أدرجت في الأصل وم بعد: الهدى.
[6509]:في الأصل: ثلث، في م: ثبت.
[6510]:من م، في الأصل: يحفظوك.
[6511]:ساقطة من الأصل وم.
[6512]:في الأصل وم: نازله.
[6513]:في الأصل وم: الآيات.
[6514]:في الأصل وم: لا.
[6515]:في الأصل وم: يقصد قصد أحدا.
[6516]:في الأصل وم: كانوا.