معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلۡغَمَٰمِ وَنُزِّلَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ تَنزِيلًا} (25)

قوله عز وجل { ويوم تشقق السماء بالغمام } أي : عن الغمام ، الباء وعن يتعاقبان ، كما يقال : رميت عن القوس وبالقوس ، وتشقق بمعنى تتشقق ، أدغموا إحدى التاءين في الأخرى ، وقرأ أبو عمرو وأهل الكوفة : بتخفيف الشين ها هنا . وفي سورة بحذف إحدى التاءين . وقرأ الآخرون بالتشديد ، أي : تتشق بالغمام ، وهو غمام أبيض رقيق مثل الضبابة ، ولم يكن إلا لبني إسرائيل في تيههم . { ونُنَزِّلُ الملائكةَ تنزيلاً } قرأ ابن كثير : وننزل بنونين خفيفتين ورفع اللام ، الملائكة نصب ، قال ابن عباس : تشقق السماء الدنيا فينزل أهلها ، وهم أكثر ممن في الأرض من الجن والإنس ، ثم تشقق السماء الثانية فينزل أهلها ، وهم أكثر ممن في السماء الدنيا ، ومن الجن والإنس ، ثم كذلك حتى تشقق السماء السابعة وأهل كل سماء يزيدون على أهل السماء التي قبلها ، ثم ينزل الكروبيون ثم حملة العرش .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلۡغَمَٰمِ وَنُزِّلَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ تَنزِيلًا} (25)

{ 25 - 29 } { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا * الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا * وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا }

يخبر تعالى عن عظمة يوم القيامة وما فيه من الشدة والكروب ، ومزعجات القلوب فقال : { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ } وذلك الغمام الذي ينزل الله فيه ، ينزل من فوق السماوات فتنفطر له السماوات وتشقق وتنزل ملائكة كل سماء فيقفون صفا صفا ، إما صفا واحدا محيطا بالخلائق ، وإما كل سماء يكونون صفا ثم السماء التي تليها صفا وهكذا .

القصد أن الملائكة -على كثرتهم وقوتهم- ينزلون محيطين بالخلق مذعنين لأمر ربهم لا يتكلم منهم أحد إلا بإذن من الله ، فما ظنك بالآدمي الضعيف خصوصا الذي بارز مالكه بالعظائم ، وأقدم على مساخطه ثم قدم عليه بذنوب وخطايا لم يتب منها ، فيحكم فيه الملك الحق بالحكم الذي لا يجور ولا يظلم مثقال ذرة ولهذا قال : { وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا } لصعوبته الشديدة وتعسر أموره عليه ، بخلاف المؤمن فإنه يسير عليه خفيف الحمل .

{ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلۡغَمَٰمِ وَنُزِّلَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ تَنزِيلًا} (25)

21

ولقد كان الكفار يقترحون أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة . وربما كان ذلك تأثرا بالأساطير الإسرائيلية التي كانت تصور الإله يتراءى لهم في سحابة أو عمود من النار . فهنا يعود ليرسم مشهدا آخر يوم يتحقق اقتراحهم بنزول الملائكة إليهم :

( ويوم تشقق السماء بالغمام ، ونزل الملائكة تنزيلا . الملك يومئذ الحق للرحمن . وكان يوما على الكافرين عسيرا ) .

وهذه الآية وكثير غيرها في القرآن يقرر أن أحداثا فلكية ضخمة ستتم في ذلك اليوم . وكلها تشير إلى اختلال كامل في النظام الذي يربط أجزاء هذا الكون المنظور وأفلاكه ونجومه وكواكبه . وإلى انقلاب في أوضاعه وأشكاله وارتباطاته ، تكون به نهاية هذا العالم . وهو انقلاب لا يقتصر على الأرض ، إنما يشمل النجوم والكواكب والأفلاك . ولا بأس من استعراض مظاهر هذا الانقلاب كما جاءت في سور متعددة . ( إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت . وإذا الجبال سيرت . . . . وإذا البحار سجرت ) . . ( إذا السماء انفطرت . وإذا الكواكب انتثرت . وإذا البحار فجرت . وإذا القبور بعثرت ) . . ( إذا السماء انشقت . وأذنت لربها وحقت . وإذا الأرض مدت . وألقت ما فيها وتخلت . وأذنت لربها وحقت ) . . ( فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان )( إذا رجت الأرض رجا . وبست الجبال بسا . فكانت هباء منبثا( . . )فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة . وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة . فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ واهية ) . . ( يوم تكون السماء كالمهل ، وتكون الجبال كالعهن ) . . ( إذا زلزلت الأرض زلزالها . وأخرجت الأرض أثقالها ) . . ( يوم يكون الناس كالفراش المبثوث . وتكون الجبال كالعهن المنفوش ) . . ( فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ، يغشى الناس هذا عذاب أليم ) . . ( يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا ) . . ( السماء منفطر به ) . . ( إذا دكت الإرض دكا ) . . ( فإذا برق البصر ، وخسف القمر ، وجمع الشمس والقمر ) . . ( فإذا النجوم طمست ، وإذا السماء فرجت ، وإذا الجبال نسفت ) . . ( ويسألونك عن الجبال فقل : ينسفها ربي نسفا ، فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ) . . ( وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ) . . ( ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة ) . . ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ) . . ( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب ) . .

فهذه الآيات كلها تنبئ بأن نهاية عالمنا هذا ستكون نهاية مروعة ، ترج فيها الأرض وتدك ، وتنسف فيها الجبال ، وتتفجر فيها البحار إما بامتلائها من أثر الاضطراب ، وإما بتفجر ذراتها واستحالتها نارا . كذلك تطمس فيها النجوم وتنكدر ، وتشقق فيها السماء وتنفطر ، وتتحطم فيها الكواكب وتنتثر ، وتختل المسافات فيجمع الشمس والقمر ، وتبدو السماء مرة كالدخان ومرة متلهبة حمراء . . إلى آخر هذا الهول الكوني الرعيب .

وفي هذه السورة - الفرقان - يخوف الله المشركين بتشقق السماء بالغمام . وقد يكون هو السحب المتراكمة من أبخرة تلك الانفجارات المروعة . وتنزل الملائكة يومئذ على الكافرين كما كانوا يقترحون ، لا لتصديق الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] ولكن ليتولوا عذابهم بأمر ربهم ( وكان يوما على الكافرين عسيرا )بما فيه من هول ، وبما فيه من عذاب . . فما لهم يقترحون نزول الملائكة وهم لا ينزلون إلا في مثل ذلك اليوم العسير ?