{ يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم } ما خدعك وسول لك الباطل حتى أضعت ما وجب عليك . والمعنى : ماذا أمنك من عقابه ؟ قال عطاء : نزلت في الوليد بن المغيرة . وقال الكلبي ومقاتل : نزلت في أبي الشريق ضرب النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعاقبه الله عز وجل ، فأنزل الله هذه الآية يقول : ما الذي غرك بربك الكريم المتجاوز عنك إذ لم يعاقبك عاجلاً بكفرك ؟ قال قتادة : غره عدوه المسلط عليه يعني الشيطان قال مقاتل : غره عفو الله حين لم يعاقبه في أول مرة . وقال السدي : غره رفق الله به . وقال ابن مسعود : ما منكم من أحد إلا سيخلو الله به يوم القيامة . فيقول : يا ابن آدم ما غرك بي ؟ يا ابن آدم ماذا عملت فيما علمت ؟ يا ابن آدم ماذا أجبت المرسلين ؟ . وقيل للفضيل بن عياض : لو أقامك الله يوم القيامة فقال : يا فضيل ما غرك بربك الكريم ؟ ماذا كنت تقول ؟ قال : أقول غرني ستورك المرخاة . وقال يحيى بن معاذ : لو أقامني بين يديه فقال : يا يحيى ما غرك بي ؟ فأقول : غرني بك برك بي سالفاً وآنفاً . وقال أبو بكر الوراق : لو قال لي : ما غرك بربك الكريم ؟ لقلت : غرني بك كرم الكريم . قال بعض أهل الإشارة : فإنما قال : بربك الكريم دون سائر أسمائه وصفاته كأنه لقنه الإجابة حتى يقول : غرني كرم الكريم .
{ 6 - 12 } { يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ * كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ }
يقول تعالى معاتبا للإنسان المقصر في حق ربه ، المتجرئ على مساخطه{[1372]} : { يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ } أتهاونا منك في حقوقه ؟ أم احتقارا منك لعذابه ؟ أم عدم إيمان منك بجزائه ؟
وبعد هذا المطلع الموقظ المنبه للحواس والمشاعر والعقول والضمائر ، يلتفت إلى واقع الإنسان الحاضر ، فإذا هو غافل لاه سادر . . هنا يلمس قلبه لمسة فيها عتاب رضي ، وفيها وعيد خفي ، وفيها تذكير بنعمة الله الأولى عليه : نعمة خلقه في هذه الصورة السوية على حين يملك ربه أن يركبه في أي صورة تتجه إليها مشيئته . ولكنه اختار له هذه الصورة السوية المعتدلة الجميلة . . وهو لا يشكر ولا يقدر :
( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ، الذي خلقك فسواك فعدلك ، في أي صورة ما شاء ركبك ) . .
إن هذا الخطاب : ( يا أيها الإنسان )ينادي في الإنسان أكرم ما في كيانه ، وهو " إنسانيته " التي بها تميز عن سائر الأحياء ؛ وارتفع إلى أكرم مكان ؛ وتجلى فيها إكرام الله له ، وكرمه الفائض عليه .
ثم يعقبه ذلك العتاب الجميل الجليل : ( ما غرك بربك الكريم ? )يا أيها الإنسان الذي تكرم عليك ربك ، راعيك ومربيك ، بإنسانيتك الكريمة الواعية الرفيعة . . يا أيها الإنسان ما الذي غرك بربك ، فجعلك تقصر في حقه ، وتتهاون في أمره ، ويسوء أدبك في جانبه ? وهو ربك الكريم ، الذي أغدق عليك من كرمه وفضله وبره ؛ ومن هذا الإغداق إنسانيتك التي تميزك عن سائر خلقه ، والتي تميز بها وتعقل وتدرك ما ينبغي وما لا ينبغي في جانبه ?
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.